هل تظن أن القلم يُصرّ على مشاكسة النحو ومعاكسة النحاة؟ «لعلّ له عذراً وأنت تلومُ». كل ما هنالك هو أن قواعد العربية لا تتلطف علينا بفضاء فيه متنفس يريحنا من نكد الدنيا في الحادثات. كأن علوم اللغة، سامحها الله، تجعلنا كرهاً نتّقي عِضاض أفاعي المخططات الدولية، بالنوم فوق أشواك القضايا الثقافية.
المصطلحات المستخدمة في نحونا، منذ ثلاثة عشر قرناً، تصرف ذهنك إلى أن اللغويين القدامى كانوا كأنما يستلهمونها من كرات الكريستال. خذ مثلاً «باب التنازع». كنّا واهمين حين تصوّرنا أن الوطن العربي الكبير أغلقه منذ عقود. وإذا بكونداليزا تصحّح تصوّراتنا بأن فراش الخريطة سيزدان بمولود الشرق الأوسط الجديد. فنّانة ملهَمة، فقد أخذت كوندا من الجوكوندا، وليزا من موناليزا. الاستطراد ذنب الجاحظ.
معذرةً، فحتى في النحو يطاردنا النزاع بإثارة التنازع. بالمناسبة: نُحاتنا القدماء كأنما هم خرّيجو الجامعة العربية، إذ لم يتفقوا حتى على مسمّى التنازع، الذي هو اصطلاح البصريين، الذين يذكّرونك تلقائياً بالمثل: «بعد خراب البصرة»، وهو مثل عنقودي: بعد خراب سوريا، بعد خراب غزة، بعد خراب لبنان، السودان، ليبيا، والبقية تأتي. أمّا الكوفيون فقد أطلقوا اسم «باب الإعمال» على التنازع. وسمّاه سيبويه: «باب الفاعلين والمفعولين»، أمّا المبرّد فقد اختار له اسم «باب الإخبار في باب الفعلين المعطوف أحدهما على الآخر».
القضية ليست في كون صياغة هذا الباب وأمثلته، تدرّس اليوم أم لا، فالمقلق هو أن هذه العجائب لا تزال متداولةً في كتب النحو والمواقع على الشبكة، ويحسبها الكثيرون علماً نافعاً. مأساة لا تخلو من ملهاة، أن تكون أنظمة تعليمٍ عربيةٍ مصرّةً على تدريس هذه الغرائب إلى يومنا هذا. هل يتفضل القارئ الكريم، مع جائزة مستحقة سلفاً، بنسج أمثلة بلغتنا اليوم وفي سياق حياتنا اليوم، على هذا المثال في باب التنازع؟ «ظنّني وظننتُ زيداً قائماً إيّاه». اسأل ابنك القياس على ذلك. اسأل ابنتك أن تصنع لك على غرار: «أظن ويظنّاني إيّاهما زيداً وعمْراً أخوين». هل هذا كلام عربي؟!
وصلنا إلى المحطة المقصودة المنشودة: هل كان النحاة يستمدون القواعد وأمثلتها من اللغة العربية، أم كانوا يختلقونها ويفتعلونها على غير أمثلة واقعية جارية في الحياة اليومية؟ هل تدري ماذا يعني هذا؟ تخيّل الكارثة، أن تدرّس المناهج معادلات فيزيائية لا وجود لها في فيزياء الكون!
لزوم ما يلزم: النتيجة التبريرية: لأمر في نفوس النحاة، تحدثوا عن «صناعة النحو»، صناعة كلام لم يتكلم به عربي.
[email protected]
https://tinyurl.com/m57yhs2z