القاهرة: «الخليج»
تزين ثمار الرمان مزارع قري مركز البداري التابع لمحافظة أسيوط جنوب مصر، فتبدو للناظرين فوق أشجارها الوارفة، مثل قناديل حمراء تتراقص تحت شمس الظهيرة، على وقع أيادي عشرات من العمال الذين يعكفون على عملية الحصاد، التي تصادف تلك الفترة، وتستمر حتى نهايات ديسمبر من كل عام.
تتصدر قري أسيوط قائمة القري المنتجة للرمان في مصر، مستعينة على ذلك بتلك المساحات الشاسعة المنزعة بثمار الرمان، والتي تشمل عشرات من القري التابعة لمراكز البداري وساحل سليم ومنفلوط وصدفا، إلى جانب ما يتميز به الرمان الأسيوطي من مزايا، تضعه هو الآخر في صدارة قائمة المنتجات الزراعية التي تصدرها مصر للأسواق العربية والأوربية على حد سواء.
تنتشر زراعة الرمان في أسيوط على مساحة تزيد على 11 ألف فدان، توجد الغالبية العظمي منها في القري التابعة لمركزي البداري ومنفلوط، ويصل متوسط إنتاج الفدان سنوياً في تلك القري، ما يزيد على 13 طناً تقريباً من ثمار الرمان، يتم تصدير معظمه إلى العديد من الدول العربية وعلى رأسها الإمارات والسعودية والكويت، إلى جانب عدد من الدول الأوروبية، التي تعتمد بشكل أساسي على محصول الرمان المصري، لما يتمتع به من جودة، تفوق في كثير من الأحيان، نظيره الذي تنتجه المزارع التركية، وهو ما كان سبباً في تصدير ما يزيد على 60% من انتاج تلك المزارع إلى الخارج، في ما يتم طرح باقي نسبة الانتاج التي تقدر بنحو 40% داخل السوق المحلية.
يتميز رمان أسيوط ومن أشهره الرمان الذي تنتجه مزارع منفلوط، بحجم الثمرة الكبير، إلى جانب لون قشرته التي تميل إلى الاصفرار، كما يتميز بمزيه أخري فهو غزير العصير، وهو ما أكسب العديد من الأنواع شهرة دولية واسعة، يأتي على رأسها الرمان المنفلوطي، الذي يتم تصديره إلى العديد من الدول العربية، وهو واحد من أربعة أنواع تخصصت مزارع أسيوط في زراعته منذ قرون بعيدة، إذ يُعد الرمان حسبما تشير العديد من البرديات القديمة، واحداً من أقدم الزراعات التي عرفتها مصر على مر التاريخ، فقد ورد ذكره في «بردية إيبرس الطبية»، بعدما استخدمه المصريون القدماء في علاج العديد من الأمراض، مثلما استخدموا أزهار أشجاره في صناعة ما يعرف ب«الباقات الجنائزية»، على نحو ما تظهره العديد من الزخارف والنقوش.
ويصنف خبراء الزراعة رمان أسيوط، ضمن أجود أنواع الرمان على المستوي العالمي، ويُعد الرمان الحجازي هو النوع الأكثر انتشاراً في مزارع أسيوط، يليه المنفلوطي، وقد أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى مدينة منفلوط، إلى جانب أربعة أنواع أخري أبرزها «ناب الجمل» فضلاً عن أصناف أخري منتخبة، وقد دفعت غزارة الإنتاج المحلي، الحكومة المصرية في السنوات الأخيرة إلى البدء في اتخاذ خطوات جادة، لإنشاء مجمع لصناعات الرمان، بهدف استغلال تلك الإنتاجية المرتفعة، في العديد من الصناعات المكملة، مثل صناعات المربي والأدوية والعطور.
ينتشر عمال الحصاد في مزارع الرمان، في الساعات الأولي من الصباح الباكر، ليشرعوا في جمع تلك الثمار الشهية، في ما يقوم آخرون على عمليات الفرز، التي تقسم الثمار إلى أربعة مستويات، من حيث الوزن واللون، قبل أن يتم تجميع الثمار بعد انتهاء عمليات الفرز، في ما يعرف ب«البرنيكات» والدفع بها إلى مراكز التصدير المنتشرة في المدن القريبة.
يطلق أهالي أسيوط على مزارع الرمان المنتشرة في حقولهم البعيدة، اسم «مزارع الذهب»، نظراً لما تدره تلك المزارع من دخل وفير لأصحابها، وهو ما يجعل من موسم الحصاد السنوي الذي يستمر لمدة قد تصل إلى أربعة أشهر، فرصة للبهجة والفرح للمزارعين والمستهلكين على حد سواء.