عادي

عذب الكلام

23:30 مساء
قراءة دقيقتين

إعداد: فوّاز الشعّار
لُغتنا العربيةُ، يُسر لا عُسرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحة على فضاءات مُرصّعةٍ بِدُرَرِ الفِكر والمعرفة. وإيماناً من «الخليج» بدور اللغة العربية الرئيس، في بناء ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاوية أسبوعية تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.
في رحاب أمّ اللغات
تغزّل الشعراء بجمال كلام محبوباتهم، فقال بشار بن برد:
وكأنَّ رَجْعَ حَديِثِها
قِطَعُ الرياضِ كُسِينَ زَهْرا
وكأنَّ تحتَ لِسانِها
هاروتَ يَنْفُثَ فيهِ سِحْرا
وقال أبو ذؤيب الهذلي:
وإن حديثاً منكِ لو تَبْذُلينَهُ
جَنى النَّحْلِ في ألْبانِ عُوذٍ مَطافِلِ
مَطافيلَ أبكارٍ حديثٍ نِتاجُها
يُشابُ بماءٍ مِثْلِ ماءِ المفاصِلِ
دُرَرُ النّظْمِ والنَّثْر
وعاذلةٍ هَبَّتْ بليلٍ
بِشْر الفزاريّ
(البحر الطويل)
وعاذِلَةٍ هَبَّتْ بِلَيْلٍ تَلومُني
ولَمْ يَغتَمِرْني قَبْلَ ذاكَ عَذولُ
تَقولُ اتَّئِدْ لا يَدْعُكَ النّاسُ مُمْلِقاً
وتُزْرى بِمَنْ يا ابْنَ الكِرامِ تَعولُ
فَقُلتُ أَبَتْ نَفْسٌ عَلَيَّ كَريمَةٌ
وطارِقُ لَيْلٍ غَيْرَ ذاكَ يَقولُ
أَلَمْ تَعْلَمي يا عَمْرَكِ اللَّهُ أَنَّني
كَريمٌ عَلى حينِ الكِرامُ قَليلُ
وإِنِّيَ لا أُخْزى إِذا قيلَ مُمْلِقٌ
سَخِيٌّ وأُخْزى أُنْ يُقالَ بَخيلُ
فَلا تَتْبَعي العَيْنَ الغَوِيَّةَ وانْظُري
إِلى عُنْصُرِ الأَحْسابِ أَينَ يَؤولُ
إِذا كُنْتُ في القَوْمِ الطِوالِ فَضَلْتُهُم
بِعارِفَةٍ حَتّى يُقالَ طَويلُ
ولا خَيرَ في حُسْنِ الجُسومِ وَطولِها
إِذا لَم يَزِنْ حُسْنَ الجُسومِ عُقولُ
من أسرار العربية
فروق لغوية: بَيْنَ الغَيْظ والغَضَب: أنَّ الإنسانَ يجوزُ أنْ يغْتَاظَ مِنْ نَفْسِهِ، ولا يجوزُ أنْ يَغْضَبَ عَلَيْها، وذلكَ أنَّ الغَضَبَ: إرادةُ الضَّرَرِ للمَغْضوبِ عَلَيْهِ، ولا يجوزُ أنْ يُريدَ الإنسانُ الضَّرَرَ لِنفسه.
وعرّف آخرونَ الغَضَبَ بأنه: غَليانُ دَمِ القَلْبِ لطلبِ الانْتقامِ. والغَيْظ يقربُ منْ بابِ الغَمِّ. كَظمَ يَدُلُّ على معنىً واحدٍ، وهو الإمساكُ، والجَمعُ للشَّيء. ويقالُ كَظَمَ الْغَيْظ، يكْظِمُهُ كَظْماً، إِذا أمْسَكه على ما في نَفْسِهِ مِنْهُ، وأَصْلُ الكَظْمِ: حَبْسُ الشَّيْءِ عَنْ امْتلائهِ.
قال العَرْجِيُّ:
وإذا غَضِبْتَ فَكُنْ وقوراً كاظماً
لِلْغَيْظِ تُبْصِرُ ماتقول وتسمعُ
فَكفى بِهِ شَرفاً تَصُبُّرُ ساعةٍ
يَرضى بها عنْك الإلهُ وتُرْفعُ
هفوة وتصويب
كثيراً ما نقرأ هذه العبارة «وقدْ شجبَ المجتمعونَ أعمالَ الفَوْضى»، ويقصدون «استنكروها أو ذمّوها»، وهي خطأ، والصواب «جَدَبَ المجتمعون..»، لأنَ شَجَبَ، يَشْجُبُ، شُجُوباً، وشَجِبَ، يَشْجَبُ شَجَباً، فهو شاجِبٌ وشَجِبٌ: حَزِنَ أَو هَلَكَ، وشَجَبَه اللّهُ، يَشْجُبُهُ شَجْباً أَي أَهْلَكَه، يَتَعَدَّى ولا يَتَعَدَّى، يقال: ما له شَجَبَه اللّهُ أَي أَهْلَكَه، وشَجَبَه أَيضاً يَشْجُبُه شَجْباً: حَزَنَهُ. وشَجَبَه شَغَله، والشَّجَبُ العَنَتُ يُصِيبُ الإِنسانَ من مَرَضٍ، أَو قِتال.
أما جَدَبَ، فهي جَدَبَ الشَّيءَ يَجْدِبهُ جَدْباً: عابَه وذَمَّه، وكلُّ عائِبٍ، فهو جادِبٌ، قال ذو الرّمة:
فَيا لَكَ مِنْ خَدٍّ أَسِيلٍ، ومَنْطِقٍ
رَخِيمٍ، ومِنْ خَلْقٍ تَعَلَّلَ جادِبُه
يقول: لا يجدُ فيه عَيْباً يعيبهُ بهِ، فيتعلَّلُ بالباطلِ. والجادِبُ: الكاذِبُ.
من حكم العرب
أعلِّلُ النفس بالآمالِ أرقُبُها
ما أضيقَ العيشَ لولا فسحةُ الأمَلِ
لم أرتضِ العيشَ والأيّامُ مقبلةٌ
فكيف أرضَى وقد ولَّتْ على عَجَلِ
البيتان للطغرائي، يقول إنّ المرء إذا أراد أن يحيا مطمئنّ النفس راضياً، فليملأ نفسه بالأمل، لأن هذا الشعور، يبقيه هادئ البال مرتاحاً، لأن الأيام التي ذهبت لن تعود.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2zbyuh7a

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"