عادي

«كوارث وافتراءات».. حقائق تاريخية مذهلة حول الهجوم على المهاجرين في أمريكا

22:59 مساء
قراءة 7 دقائق

إعداد ـ محمد كمال

انعكست بشكل واضح حالة الانقسام الشديدة التي تعانيها الولايات المتحدة في هذه الفترة الساخنة من الصراع الرئاسي بين دونالد ترامب وكامالا هاريس، على المهاجرين، إذ طالتهم تهديدات الترحيل والتشكيك في أهليتهم، دون التفرقة بين أولئك الذين أسهموا في بناء الاقتصادي الأمريكي، وقلة من المجرمين الذين دخلوا البلاد عبر طرق غير شرعية، فيما تكشف تلك التصريحات عن بعد تاريخي عميق حول الأجانب في التاريخ الأمريكي.

وبالنظر إلى تهديدات ترامب بترحيل الملايين من المهاجرين، فإنها وفق محللين قد لا تخرج عن إطار تصريحات مغازلة الناخبين المحافظين أو اليمينيين، إذ يستحيل نظرياً إخراج هذه الأعداد الضخمة الذين يعتمد عليهم الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير بمجرد قرار، حتى عن ترامب نفسه عندما سئل خلال مناظرته الرئاسية مع هاريس عن طريقة تنفيذ تهديداته تلك، لم يعط أي خطة واضحة، وهو ما يعني عدم نيته جدياً لفعل ذلك أو قدرته على تنفيذه غداة عاد مجدداً إلى البيت الأبيض.

ومن وجهة نظر ترامب ومستشاريه، فإن الترحيل الجماعي للمهاجرين يهدف إلى تقليل الجريمة في المجتمع الأمريكي وخفض تكاليف السكن وتعزيز فرص العمل، لكن الديمقراطيين يرون أن هذه الإجراءات من شأنها أن تضر بالأعمال التجارية والاقتصاد الأمريكي ككل، بالإضافة إلى فصل العائلات وتشريد ملايين الأشخاص.

ويقدر أحد مراكز الأبحاث المحافظة، وفق ما أوردت صحيفة بيزنس إنسيدر، أن المهاجرين يمثلون ثلث العاملين في الوظائف التي تدفع أقل من 30 ألف دولار سنوياً، وبالتالي فإن ترحيلهم يثير قلق كبار المديرين التنفيذيين للشركات الكبرى في الولايات المتحدة وفق ما أعلن جوشوا بولتن، الرئيس التنفيذي لـ«رابطة المديرين التنفيذيين».


ـ البعد التاريخي ـ

المؤرخون في الولايات المتحدة يرون أن رسائل تصوير الأشخاص الذين يعبرون الحدود الجنوبية للبلاد كمجرمين، ليست سوى أحدث مثال على سلسلة طويلة من كراهية الأجانب في السياسة الأمريكية، والتي يتم التقليل من أهميتها في بعض الأحيان لصالح استحضار تعبير «الحلم الأمريكي»، وفق ما أوردت صحيفة نيويورك تايمز، والتي أشارت إلى أنه حتى قبل تأسيس الولايات المتحدة، شوه بنجامين فرانكلين سمعة المهاجرين الألمان في رسالة عام 1753.

وتصف أستاذة التاريخ في جامعة هارفارد إريكا لي، انتقادات ترامب اللاذعة بأنها مركزية، وليست استثنائية، بالنسبة للطرق التي ينظر بها بعض الأمريكيين إلى الهجرة وتأثيرها عبر القرون، لكن المؤرخين يقولون: إن ترامب، أكثر من أي رئيس آخر يستخدم مصطلحات مناهضة للأجانب، وقد تمكن من تشكيل موقف حزبه بشأن الهجرة بطريقة لم يفعلها أي زعيم آخر.

ويرصد المؤرخون الأمريكيون حقائق من القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث وصلت موجات المهاجرين الذين ساعدوا في بناء الولايات المتحدة الحديثة من خلال مد خطوط السكك الحديدية وبناء الجسور والعمل في المناجم والمطاحن والمصانع، بوسائل قليلة، ثم تجمعوا في الأحياء بحثاً عن الأمان، وهو ما أثار مخاوف بين الأمريكيين البيض المولودين في الولايات المتحدة والذين قالوا: إن المهاجرين يغذون العنف ويعيشون في الأحياء الفقيرة.

ويشير تقرير نيويورك تايمز، إلى أنه تم تشويه كل مجموعة رئيسية تقريباً من المهاجرين الوافدين حديثاً إلى الولايات المتحدة باتهامات إجرامية، بمن في ذلك المهاجرين من الصين وإيرلندا وإيطاليا والمكسيك ومن أوروبا الشرقية وغيرها، ووُصف البعض بأنهم خطرون بسبب التنظيم من أجل الحصول على أجور وظروف عمل أفضل، وغالباً ما تم تصويرهم على أنهم «حشرات هاربة» من بلدانهم الأصلية في موجات إلى الشواطئ الأمريكية.

الرسوم الكاريكاتورية من أواخر القرن التاسع صورت عشر المهاجرين الإيرلنديين الذين دعموا استقلال إيرلندا عن الإنجليز على أنهم وحوش يحملون قنابل، وبعد الحرب العالمية الأولى، ربط القوميون الإيطاليين بالفوضوية.

ويؤكد تايلر أنبيندر، المؤرخ الذي كتب المرجع التاريخي «مدينة الأحلام: تاريخ 400 عام ملحمي للمهاجرين في نيويورك»، أن الأمريكيين لديهم بعض الأساس التاريخي للخلط بين الجريمة والهجرة. ويعود تاريخ ذلك إلى منتصف القرن التاسع عشر على الأقل، عندما أطلقت المدن الألمانية، على مدار ثلاثة عقود، سراح ما يصل إلى عشرة آلاف سجين وافقوا على قبول حرية المرور إلى أمريكا بدلاً من البقاء في السجن.

ويضيف أنبيندر: «لقد استمر التصور الشعبي، حول أن المجرمين يمثلون جزءاً كبيراً من المهاجرين الذين يأتون إلى الولايات المتحدة، وهذا لم يكن صحيحاً على الإطلاق». وأظهرت الدراسات أيضاً أن المهاجرين، بشكل عام، لم يرتكبوا جرائم لا تتناسب مع أعدادهم السكانية، وكان يتم القبض عليهم دائماً تقريباً بمعدلات أقل من السكان الأصليين.

ـ المهاجرون المرضى ـ

وفي ظل الاتهامات الحالية للمهاجرين بأنهم يأتون وهم مرضى، فإن ذلك يعود إلى أوائل القرن العشرين، حيث كان يُعتقد أن الأشخاص الفارين من العنف خلال الثورة المكسيكية يحملون القمل الذي ينشر التيفوس الوبائي، وفي يناير 1917، في منشأة حدودية موسعة في إلباسو بتكساس، بدأت السلطات الصحية الأمريكية في مطالبة المهاجرين المكسيكيين بخلع ملابسهم حتى يمكن رشهم بمواد كيميائية ضارة قبل دخول البلاد.

وثارت الآلاف من عاملات المنازل المكسيكيات احتجاجاً على هذا الإجراء، حيث «احتشدن على الجانب المكسيكي من الجسر، واحتجزن السيارات في الشوارع وأوقفن حركة المرور تماماً لعدة ساعات». لكن ممارسات مماثلة ظلت قائمة على طول الحدود حتى الستينيات في إطار برنامج براسيرو الذي وظف العمال المكسيكيين لزراعة وحصاد المحاصيل في الحقول الأمريكية.

ـ الهايتيون والإيدز ـ

وتعود صيحات الحشد السياسي التي تقول: إن المهاجرين يجلبون المرض إلى أول قيود على الهجرة في الولايات المتحدة، قبل أن تنظم الحكومة الفيدرالية حدود البلاد. واستخدم ملاك العبيد الجنوبيين المخاوف من «العدوى» في إصدار قوانين لمنع البحارة السود من دخول موانئ فلوريدا وكارولينا الجنوبية، قائلين: إنهم يمكن أن يجلبوا أفكاراً معدية عن حرية السود واستقلالهم الذاتي والتي يمكن أن تؤدي إلى جائحة «حرب عرقية»، كما قال المؤرخ مايكل شوبنر في كتابه «العدوى الأخلاقية». وكانت القيود تستهدف عمال البحرية السود من هايتي، وهم الذين اتهموا من قبل ترامب بأكل الحيوانات الأليفة.

وخلال القرن التاسع عشر، غالباً ما كان يُلقى اللوم على الإيرلنديين في تفشي وباء الكوليرا، وفي ثمانينيات القرن الماضي، وصمت مراكز السيطرة على الأمراض الهايتيين بأنهم يشكلون تهديداً خاصاً في انتشار مرض الإيدز، وهو اعتقاد مزيف كرره ترامب في أواخر عام 2017 أثناء وجوده في منصبه.

ـ الجينات وخطوط الدم ـ

وحول الهجوم المتجدد الذي يتعلق بوجود «القتل في جينات» المهاجرين، فإنه قبل عقود من ترشحه لمنصب سياسي، كان ترامب مهووساً علناً بفكرة أن الجينات تحدد قدرة الشخص على النجاح أو العنف. وهذا الاعتقاد الذي تم دحضه منذ فترة طويلة هو جوهر تاريخ الأمة الطويل من كراهية الأجانب، وفق ما يذكر تقرير نيويورك تايمز، حيث تكمن وراء العديد من الانتقادات الموجهة إلى المهاجرين نظريات عنصرية تصف السود والمجموعات الأخرى بأنهم أقل شأناً وراثياً أو بيولوجياً.

ويقول المؤرخ شويبنر: إن ملاك العبيد الجنوبيين الذين صاغوا أول قيود الهجرة في ولاياتهم اعتمدوا على تلك الاستعارات العنصرية، والتي وصفها بأنها «فكرة متكررة تقع في قلب النزعة القومية الأمريكية».


أما ساندوفال شتراوس، أستاذ التاريخ في جامعة ولاية بنسلفانيا، فيؤكد أن العلوم الزائفة هي التي قادت حركة تحسين النسل العالمية التي بلغت ذروتها في الولايات المتحدة في عشرينيات القرن الماضي. وشهد الكونغرس عام 1924 مقترح نظام الحصص الصارم الذي كان يهدف إلى تشجيع المهاجرين من أوروبا الغربية، ورفض الجميع باستثناء عدد قليل من جنوب وشرق أوروبا، ومنع القادمين من آسيا تماماً. وقال شتراوس: إن واضعي مشاريع القوانين كانوا قراء متعطشين للأدبيات التي تمجد تفوق العرق الشمالي.

ـ اتهاما أكل القطط والكلاب ـ

وعن اتهامات الهايتيين بأكل القطط، فقد استندت إلى خط هجوم قديم آخر ضد المهاجرين، ركز على نوعية طعامهم. وتم استخدام بعض الأمثلة المبكرة للافتراء على المهاجرين الصينيين الذين وصلوا في القرن التاسع عشر كعمال وساعدوا في بناء أول خط سكة حديد عابر للقارات في الولايات المتحدة، وتتبع المؤرخون الأمر إلى سبعينيات القرن التاسع عشر، عندما غنى فنانون حول كيفية أكل الصينيين للقطط والكلاب والثعابين.

وساعدت تلك المشاعر المعادية في إصدار قوانين استبعدت جميع المهاجرين والعمال الصينيين تقريباً من دخول أمريكا في أواخر القرن التاسع عشر، وهي أول قوانين الهجرة في البلاد التي تعتمد صراحة على العرق.

وخلال الحرب الفلبينية الأمريكية، التي بدأت في عام 1899، والحرب الكورية في الخمسينيات من القرن الماضي، قام الجنود الأمريكيون بتشويه سمعة الفلبينيين والكوريين ووصفهم بأنهم «أكلة كلاب»، وقد عادت هذه الشائعات إلى الولايات المتحدة، حسبما قال ماي نجاي، وهو خبير في شؤون الفلبين، ومؤرخ الهجرة في جامعة كولومبيا. والذي قال: إن «لحوم الكلاب كانت تستهلك بشكل شائع في كوريا الجنوبية، وظلت كذلك في العقود التي تلت الحرب الكورية، عندما كانت البلاد فقيرة وكانت اللحوم نادرة، ولكن هذه الممارسة أصبحت منبوذة في أواخر القرن العشرين».


ـ تأثير اقتصادي تاريخي ـ

وفي تقرير لوكالة «بلومبيرغ»، أثارت مخاوف كبيرة حول العواقب الاقتصادية المحتملة لترحيل ملايين المهاجرين، استناداً إلى وقائع تاريخية، حيث أظهر تقرير «المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية» كيف أثرت سياسات مماثلة في أواخر القرن الـ19 بشكل سلبي في الاقتصاد الأمريكي، ففي تلك الفترة، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات صارمة لترحيل العمال، وذلك في إطار «قانون استبعاد الصينيين» الذي تم تمريره عام 1882.

وأدى هذا القرار إلى تقليص عدد العمالة الصينية بنسبة 64%، ما أثر بشكل مباشر في الاقتصاد الغربي للبلاد، وفق بلومبيرغ. وقد أظهر التحليل أن القطاعات التي كانت تعتمد بشكل أساسي على العمالة الصينية شهدت انخفاضاً في الإنتاج الصناعي بنسبة 62%، وأن التأثير السلبي طال أيضاً العمال البيض، حيث انخفضت نسبة الذين كانوا ينتقلون إلى الغرب للعمل بنحو 28%.

وفي الوقت الحاضر، يعتمد الاقتصاد الأمريكي بشكل كبير على العمالة المهاجرة، وخاصة بعد جائحة كورونا التي شهدت ارتفاعاً في أعداد المهاجرين. ووفقاً لتقرير سابق نشرته «بلومبيرغ»، أشار مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن هذا التدفق الهائل للمهاجرين سيسهم في تعزيز الاقتصاد الأمريكي بنحو 7 تريليونات دولار خلال العقد المقبل. كما تشير التقارير إلى أن زيادة العمالة المهاجرة كانت وراء النمو القوي الذي شهدته سوق العمل الأمريكية مؤخراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/43w2pe98

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"