محمد خليفة
تشكل التحالفات الاقتصادية مصدر قوة للأعضاء المنضوين تحتها، فهذه مجموعة «بريكس»، وهي مثال لتحالفات اقتصادية ناشئة بدأت تشكل مصدر قوة لأعضاء المجموعة حيث نجحت في تثبيت وجودها، وتمكنت من جذب أقطاب إقليميين إليها، وكرست نفسها كقوة اقتصادية مهمة إلى جانب مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى.
لقد تأسست مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى في السبعينات من القرن الماضي، وتجمدت فلم تقبل غيرها من الدول، وهي تعاني اليوم بسبب المصالح الفئوية التي تمثلها، وهي مصالح الكبار، كما أن انزياح موازين القوة نحو دول الشرق والجنوب، أسهمت في عدم قدرة تلك المجموعة التي تعتمد على الولايات المتحدة كمحرك رئيسي على المنافسة، حيث يُعاني اقتصادها من ركود طويل، وفي المقابل فقد نمت مجموعة «بريكس» بشكل كبير منذ تأسيسها عام 2009، وأصبحت قوة هائلة في الشؤون الدولية، ويعود السبب في ذلك إلى أن المجموعة تحترم التنوع الحضاري، وهي خالية من الضغوط والمعايير المزدوجة والتدخل في الشؤون الداخلية، ولذلك فمن الطبيعي أن تتوسع بطريقة أو بأخرى، والأهمية الجيوسياسية والعملية لهذه المجموعة آخذة في النمو، وهي تعزز أجندة الجنوب العالمي.
ويسلط النفوذ المتزايد لمجموعة البريكس الضوء على الأهمية المتزايدة للاقتصادات الناشئة، ما يشكل تحدياً للمعايير الراسخة للقوة الاقتصادية العالمية. ومن خلال الجهود الجماعية، تهدف هذه المجموعة إلى تعزيز نظام عالمي متعدد الأقطاب، يعزز توزيع النفوذ الاقتصادي بشكل أكثر عدالة. وقد أظهرت دول مجموعة البريكس، وخاصة الصين والهند، نمواً مذهلاً مقارنة بالوتيرة البطيئة التي شهدتها اقتصادات دول مجموعة السبع. وبفضل مواردها الاقتصادية وقوتها الديموغرافية مجتمعة، قد تتمكن مجموعة البريكس من تعديل النظام الاقتصادي العالمي القائم. كما يمكن لمجموعة البريكس، أن تعمل كثقل موازن سياسي دولي لضمان تمثيل مصالح الدول النامية على الساحة العالمية، وإنشاء مؤسسات مالية جديدة، واتفاقيات تجارية تتحدى هيمنة الهيئات التي يقودها الغرب، مثل: صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وفي ظل تنامي حالة الاستقطاب في العالم، انعقدت قمة البريكس السادسة عشرة في مدينة قازان الروسية الأسبوع الماضي. تحت عنوان «تعزيز التعددية من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين». وشارك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حفظه الله، في أعمال القمة، وتعد المشاركة الأولى لدولة الإمارات بصفتها عضواً في مجموعة «بريكس». وكان سموه قد بدأ في 21 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي زيارة رسمية إلى روسيا الاتحادية، بحث خلالها مع الرئيس فلاديمير بوتين، مختلف أوجه العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها خاصة في الجوانب الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة وغيرها. وذلك في إطار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع البلدين إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
وتوفر قمة مجموعة «بريكس» فرصة كبيرة لتقييم تقدم المبادرات التي أطلقتها المجموعة، وتحديد مجالات التعاون في المستقبل. وقد افتتح الرئيس الروسي فلاديمير بوتن التجمعات المرتبطة بالقمة فعلياً، عندما ألقى كلمة في منتدى أعمال البريكس في موسكو، بحيث تشكل القمة، والتجمعات المرتبطة بها، أكبر وأهم حدث للسياسة الخارجية بشكل عام يعقد في روسيا. وقد دعت روسيا ثماني وثلاثين دولة إلى حضور القمة، وأكدت اثنتان وثلاثون منها مشاركتها، وقد مثّل أربعاً وعشرين منها رؤساء دول، مع تمثيل الدول الأعضاء التسع في البريكس على أعلى مستوى. وتتألف «بريكس» حالياً من عشر دول هي «روسيا والصين والهند وجنوب إفريقيا والبرازيل»، وانضم إليها في مطلع العام الجاري خمس دول هي «دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وإثيوبيا، وإيران».
والواقع إن انضمام دول، مثل الإمارات والسعودية، باحتياطياتهما الهائلة من موارد الطاقة، يوفر مزايا اقتصادية كبيرة للمجموعة، ويؤدي إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي للمجموعة، ما يعزز مكانتها كقوة اقتصادية عالمية. وخلال رئاستها لمجموعة «بريكس» هذا العام، قالت روسيا: إنها ستركز على «تعزيز كامل نطاق الشراكة والتعاون في إطار الرابطة على ثلاثة مسارات رئيسية: السياسة والأمن، والاقتصاد والمالية، والعلاقات الثقافية والإنسانية»، كما تسعى روسيا إلى أن تصبح مجموعة «بريكس» قوة موازنة قوية للغرب في السياسة والتجارة العالمية.
إن تصفية النزاعات الحدودية بين الهند والصين يصب في مصلحة مجموعة «بريكس»، ويجعلها قادرة على كسر الاحتكار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة في العالم، فلا يمكن أن يتحقق العدل في العالم ما لم ينته الاحتكار الغربي للاقتصاد، ومشروع «بريكس» يمثل الأمل لشعوب العالم المقهورة.
[email protected]
https://tinyurl.com/25h4uwr9