جيمي ماكغيفر*
وكأن الأسواق المالية بحاجة إلى عامل آخر لتعقيد التوقعات في الأمد القريب لسياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي، والاقتصاد الأمريكي وأسعار الأصول. وأن يستوعب المستثمرون أكثر الانفصال المتزايد بين أسعار الفائدة الحقيقية والظروف المالية.
بعبارات بسيطة، هل السياسة النقدية الأمريكية متشددة للغاية أم متساهلة للغاية؟ عادة ما يكون هذا سؤالاً مباشراً إلى حد ما، ولكن هناك إشارات متناقضة حالياً.
إذ إنه ووفقاً لبعض المقاييس، يقترب سعر الفائدة المعدل للتضخم لدى بنك الاحتياطي الفيدرالي من أعلى مستوى له منذ عام 2007. وهذا بعد خفض أسعار الفائدة الضخم بمقدار 50 نقطة أساس في سبتمبر/أيلول. وهذا يشير إلى أن المركزي لديه مجال واسع لمواصلة خفض أسعار الفائدة، وربما حتى «بمئات النقاط الأساسية»، كما اقترح رئيس الفيدرالي في شيكاغو أوستان جولسبي مؤخراً.
ويبدو موقف السياسة الحالي لبنك الاحتياطي الفيدرالي مقيداً للغاية أيضاً عند مقارنته بتقديرات «آر ستار»، معدل الفائدة المحايد الحقيقي الغامض الذي لا يسرع ولا يبطئ النمو في عالم يبلغ معدل التضخم فيه 2%، والذي يقدر حالياً بما يتراوح بين 0.7% و1.2%.
ومع ذلك فإن الكثير من المقاييس القائمة على السوق للظروف المالية تروي قصة مختلفة. فهي الأكثر مرونة منذ سنوات وفقاً لبعضها، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى الارتفاع المستمر لـ «وول ستريت».
لذا فلابد أن يتغير شيء ما، إما أن تنخفض التكلفة الحقيقية للاقتراض، أو أن تتشدد الظروف المالية. أو قليلاً من الاثنين معاً. ومع ذلك فمن غير الواضح حالياً أي قوة سوف تسود. ويبدو أن الاقتصاد الأمريكي يتمتع بصحة جيدة، كما يتضح من نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنسبة 2.8% الذي أبلغ عنه الأربعاء الماضي، والبداية القوية لموسم أرباح الشركات.
وفي الوقت نفسه، لا تزال شهية المستثمرين للمخاطرة صامدة على الرغم من ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، واقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية. لقد ارتفعت أسعار الأسهم بأكثر من 40% على مدى الشهور الـ12 الماضية، وهو مسار ملحوظ، وأصبحت فروق الائتمان للشركات الأمريكية هي الأضيق منذ عشرين عاماً. ولكن مع تباطؤ التضخم، ارتفعت تكاليف الاقتراض الحقيقية إلى أعلى مستوياتها منذ سبعة عشر عاماً، وتتراجع التوقعات بمزيد من التيسير من قِبَل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل مطرد بسبب الأداء القوي للاقتصاد.
ولكن ما الذي يفسر هذا التباعد؟ يلاحظ خبراء الاقتصاد في بنك «بي إن بي باريبا» أنه على الرغم من أن سياسة بنك الاحتياطي الفيدرالي مقيدة من الناحية الفنية نظراً لأسعار الفائدة الحقيقية المرتفعة اليوم، فإن ما يهم الاقتصاد الحقيقي هو الظروف المالية الأوسع نطاقاً. وقد خفّت هذه الظروف بشكل كبير على مدى العام الماضي.
ويستشهد خبراء الاقتصاد بنماذج بنك الاحتياطي الفيدرالي التي تشير إلى أن التغيير في الظروف المالية الإجمالية على مدى العام الماضي من شأنه أن يعزز نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 0.7 نقطة مئوية على مدى الأشهر الـ12 المقبلة. وهذا لا يبدو مقيداً بأي حال من الأحوال.
ويقول جو لافورجنا، المدير الإداري وكبير خبراء الاقتصاد في شركة «إس إم بي سي نيكو» للأوراق المالية، والذي يزعم أن هذه الظروف المالية المتساهلة هي في الأساس نتيجة لازدهار سوق الأوراق المالية: «إننا نعيش في بيئة غير عادية للغاية. إن الأسهم هي التي تهيمن على الاقتصاد». بعبارة أخرى، تساعد الأسهم مرتفعة القيمة في دفع أسعار الأصول إلى أوسع نطاق، وتجعل الحصول على التمويل أسهل، ما يخلق حلقة مفرغة ذاتية التعزيز يصعب كسرها. وهذا من شأنه أن يساعد على تفسير سبب صمود الاقتصاد على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة، ولكنه قد يعقد أيضاً مهمة بنك الاحتياطي الفيدرالي في المضي قدماً. إن «عدم الهبوط» للاقتصاد ــ أي النمو الاقتصادي القوي على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة ــ قد يدفع السوق إلى إعادة تسعير توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما قد يؤدي إلى انخفاض أسعار الأسهم والأصول، على نحو متناقض إلى حد ما.
* كاتب صحفي ومحلل مالي في «رويترز»