عادي
في شاعرية البصر

نور النبوة.. ارتقاء بجمالية الحرف العربي

23:53 مساء
قراءة 3 دقائق
اللوحة

الشارقة: جاكاتي الشيخ
يشكل ملتقى الشارقة للخط العربي منصة فنية كبيرة لاستقطاب أهم الفنانين المشتغلين في هذا المجال، ورغم أنه يشرع أبوابه لكل ما تجود به مواهب هؤلاء الفنانين من خلق وابتكار، إلا أنه يظل فرصة للمبدعين في أنواع الخط الأصيل، للتأكيد على إمكانية تقديم الجديد، ومن هؤلاء الخطاط الليبي أحمد الأمين الزائدي الذي يشارك في النسخة 11 من هذا الملتقى.
تتميز أعمال الزائدي بالالتزام بمدرسة الخط العربي التقليدية، فهي منضبطة بالقواعد الصارمة التي حفظت للخط العربي روحه، التي مَيّزته عن غيره من خطوط اللغات الأخرى وباقي الفنون البصرية، ويختار مضامين لوحاته بدقة شديدة لتحمل معاني عميقة، فالعبارة لديه هي أولى مراحل التعبير البصري باللوحة الخطية، ومنها ينطلق ليوصل رسالته للمتلقي، كما فعل هنا، حيث قدّم عمله الفنّي المعنون باسم «قمر»، مستخدماً بيتاً شعرياً في مدح النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، يقول فيه الشاعر عبد الرحيم البرعي:
قمَرٌ تعَلّقت النفوسُ بحبِّه/ فكأنه في كلِّ قلبٍ خيَّمَا
نورانية
إن اختيار الزائدي لهذا البيت ينبع من جمال تصويره، فقد وصف رسولَ الله بما يتلاءم مع قدره من الرفعة، وما يمثله من نورانية تبعث في النفوس حلاوة الإيمان، لتضيء فضاءاتها الرحبة، فهو المصطفى الذي خصّه الله بالكثير من فضله حتى تعلّقت تلك النفوس بحبّه، إلا أن رفعة شأنه كانت سبباً في تقريبه من القلوب، فكأنه يقيم في ربوعها مخيّماً، لما تمثّله أمته بالنسبة له من أهمية، فهو منذرها ومبشرها في الدنيا، وهو شفيعها يوم الحساب.
وقد كتب الفنان النص بخط الثلث الجلي، الذي يتميز بالمرونة والمطاوعة للتركيب، ما يمنح الخطاط الحرية في التشكيل داخل أي محيط، ليكون قادراً على استغلال المساحات لتنفيذ التصاميم اللازمة، والالتزام بعدة خصائص جمالية، مثل التحكم في تنويع شكل الحرف الواحد في اللوحة الواحدة حسب حاجة التكوين داخل التصميم الخطي، والاختزال والدمج بين الحرفين أو جزء منهما، بما لا يضر بالشكل الأصلي للحرف، ودقة النّسب والمقاييس، من خلال منح الحروف والكلمات حقها من القصر والطول، والسعة والضيق والهيئة، لتحقيق التناسق الشكلي المطلوب، إضافة إلى خاصيتي التقاطع والتراكب في الحروف والكلمات، اللتين تحققان تميزاً خاصاً للبنية الخطية، ثم ملْء الفراغات بالنقاط وحركات التشكيل والخطوط التزيينية المتنوعة، وكلها سمات جمالية بديعة.
سلاسة
انطلق الزائدي مسترسلاً في كتابة نصه الخطي، بما يتلاءم مع سلاسة المعنى وجمال الصورة الشعرية، مستفيداً من خصائص الثلث الجلي وما تضفيه من إشراق على العمل، فكتب كلمة «قمر» في الجانب العلوي من بداية التكوين الخطي، للإشارة إلى رفعة قدر رسول الله وسمُوِّ مقامه، ثم كتب أسفلها «تعلّقت» ليعكس حالة نفوس المحبّين المتعلقين به، وهو ما أكده بتركيب ألف «تعلقت» ولامها على «قمر»، ثم كتب «النفوس» بجانب «قمر» ليشير إلى ارتقاء هؤلاء المتعلقين على قدر حُبّهم، وكتب «بحبّه» في الأسفل بجانب تعلقت، ليوحي بأن هذا الحب سبب أساس يرتكز عليه ذلك الارتقاء الإيماني، ثم كتب «فكأنه» بشكل كبير يربط بين المستوى العلوي والسفلي للتكوين للتنبيه إلى جلال المعنى التالي، واكتنازه لمعنى الشطر السابق، وكتب «في» مُركبّة على «فكأن»، كما أبدع في استخدام خاصية الاختزال والدمج بين الجزء الممتد من ألف «في» المقصورة ورأس حرف الكاف في «كل»، وقد كتب الأخيرة مضخماً لامها ليحتضن «قلب» التي ركّب حروفها على بعضها، لإحداث توازن بصري، وتناظر بين النقاط حول حرف اللام، فيما كتب كلمة «خيّما» في الطرف العلوي من الجانب الأيسر للتكوين وشكّلها بما يوحي بمعناها، ويكمل التكوين في هيئة تسبح بالذائقة البصرية للمتلقي بجمال التصوير الشعري في جمال التصوير الخطي الأصيل.
كما أبدع في اختيار اللون الأبيض للكتابة على الخلفية البنية المائلة إلى الحمرة، ليعكس النور النبوي في القلوب، وفي الحياة، وتعلُّق المحبّين بهذا الرسول الأكرم، وما يشكّله من عظمة بشرية أرسلها الله لعباده.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdd9732w

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"