تجاوزت مواقع التواصل الاجتماعي، نقل الأخبار، أو كونها منصات لتبادل الآراء، ومشاركة الصور بين الأصدقاء، لتصبح جزءاً من حياة الكثير من الناس، وهذا يعني أنه بات لها تأثير كبير في عادات وتوجّهات، قطاع واسع من الأفراد في مختلف المجتمعات البشرية. وهي ظاهرة عامة وليست محصورة في مكان دون الآخر، فالاستخدام الواسع والمتزايد، لوسائل التواصل الاجتماعي، جعلنا نلاحظ تأثيراتها المتزايدة في الأجيال الشابة، وأثرها في المزاج والروح المعنوية، فضلاً عن الحالة النفسية.
على سبيل المثال، وسائل التواصل الاجتماعي، تقدّم نماذج للحياة المثالية؛ حيث هناك من يشارك حياته الشخصية، ولحظاته الجميلة، فقط. وتلك اللحظات الجميلة والمثالية، تجعل الكثير من الناس، في مختلف المجتمعات، يعتقدون أن هذه هي الحياة المثالية، ومعها يدخلون في المقارنة مع حياتهم، وتتنامى حالات عدم الرضا عن الذات والحسد والإحباط.
كثير من الدارسين والباحثين، تحدثوا عن تدهور الصحة النفسية، بسبب تلك المقارنات؛ لأن هناك من شعر بضعف القيمة الذاتية وفقد الثقة بالنفس. هذا جانب كبير وعظيم، لكن هناك حالات أخرى تسببها مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، مثل التنمر الإلكتروني، الذي تصاعد، وأصبح من القضايا الملحّة، خاصة مع المراهقين، حيث يتعرضون للتنمر والسخرية، سواء من أقرانهم أو من الآخرين، وهذا يعني زيادة في معدلات الكآبة والعزلة الاجتماعية، بل وصل الحال إلى الانتحار.
وهناك دراسات علمية حديثة أظهرت وجود ارتباط بين زيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وزيادة معدلات الاكتئاب والانتحار بين الشباب، وهو مؤشر خطِر يجب التعامل معه بجدية من قبل الأسر والمؤسسات التعليمية.
ولا ننسى أن مواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، تسبّب نوعاً من الإدمان النفسي، فالمستخدمون يجدون أنفسهم مدمنين على التفاعل والتحديثات المستمرة، وهناك من يقضي ساعات طويلة على تلك المنصات، وهذه الحالة تؤدي إلى الانعزال الاجتماعي. ولا شك في أن العلاقات بذوي القربى والأصدقاء والعلاقات الاجتماعية بصفة عامة تتآكل وتضمحلّ تدريجياً.
التوعية وزيادة المعرفة عن أخطار مثل هذا التوجه نحو وسائل التواصل الاجتماعي، خطوة مهمة؛ لأنه من المهم أن يتم إدراك أن ما يعرض على وسائل التواصل ليس الصورة الكاملة لحياة أولئك الذين يعرضون حياتهم المثالية الجميلة؛ لأن كل شخص يختار ما يظهره وما يخفيه. أيضاً هناك حاجة تتجاوز التوعية، لتعزيز الأنشطة البديلة التي تبعد اليافعين والمراهقين تحديداً، عن الشاشات ولو قليلاً، مع جرعات من الحوار وتبادل الآراء والحوار الصريح عما يشاهدونه ويتفاعلون معه.
[email protected]
www.shaimaalmarzooqi.com
https://tinyurl.com/4dfxn85p