ملتقى الخط يحاور البصر بمفردات الجمال

الشارقة: عثمان حسن

ضمن المشاركات العديدة في ملتقى الشارقة للخط في نسخته ال11، تبرز الكثير من التجارب التي تبدع تكوينات خطية آسرة، خاصة في استخداماتها لكثير من أنواع الخطوط وخاصة الثلث الجلي، ومن هذه التجارب لوحة للخطاط الباكستاني إيجاز رحيم الذي خط الآية القرآنية «حسبنا الله ونعم الوكيل» بالثلث الجلي، مستفيداً من البعد الروحي الذي ينبعث من هذه الآية، والتي تعني التفويض والالتجاء إلى الله عز وجل، أي أن الله سبحانه وتعالى هو كافينا وقائم على مصالحنا، والآية في دلالتها الراسخة تعني الاعتصام بالله والركون إليه، فهو المطلع على كل شيء ناصر عبده ولو بعد حين.
بوصف الثلث الجلي سيد الخطوط ولكون حروفه تتميز بالليونة، كما يؤكد ذلك معظم دارسي الخط، فنحن أمام خط قابل للتشكيل والانسيابية، وهذه من أهم الخصائص التي يتميز بها هذا الخط لجهة لكونه واحداً من أجمل الخطوط القابلة للتكوين الخطي، بل هو يعد من أنسب أنواع الخطوط الذي يستخدم في شتى التكوينات الخطية، إذ يتبارى ممارسو الخط في إبداعه في تشكيلات وتصميمات غاية في الروعة والجمال، ومن ذلك ما نشاهده في هذه اللوحة. وهنا، يمكن دراسة هذه اللوحة في تفحص شكل حروف الآية القرآنية التي حققت جملة من الشروط الجمالية، كما هو في تصميم الألفات التي جاءت متناظرة على سطح اللوحة، وكما في غيرها من الحروف، تلك التي في مجموعها حققت شروط التوازن ضمن صياغة فنية ذات طابع تشكيلي، لقد أبدع الخطاط إيجاز رحيم في شحذ خياله وتقديم لوحة بديعة وزع حروفها في نسق متشابك، كما لو أن حروفها تتعانق في تشكيلاتها الأفقية والعمودية، ما دفعه للتقريب أو (تجاور) الحروف المتشابهة، مبعداً تلك الحروف غير المتشابهة أو المتنافرة (كما يطلق على ذلك دارسو الخط) لكي يتسنى له بناء تكوين هندسي أساسه الحروف العمودية الصاعدة والحروف المستقيمة والمدورة كما هوفي الواوات، وفي حرف العين في كلمة (نعم) وهكذا.
منطق
يجسد خط الثلث في هذه اللوحة، وبنسبة كبيرة جداً، مقارنة ببقية أنواع الخطوط المعروفة أبدع ما يمكن تصوره من القيم التشكيلية في الفن الإسلامي، خاصة أن التكوين الخطي للثلث يعد عنصراً أساسياً في فن الخط. وهو الذي يمنح الخط شكله الفني البلاغي، وأيضاً بسبب ما يمتاز به خط الثلث من منطق جمالي كامن في تكويناته الخطية التي تجعل الخطاط حراً، بل طليقاً في استثمار هذا الخط وتنظيمه للعناصر والأسس الخطية والتصميمية داخل بنية التكوين الخطي، من أجل تكوين جديد ذي بعد وظيفي وجمالي ودلالي يحقق المضمون الروحي للآية القرآنية، إلى جانب تلك السمات الجمالية والشكلية والبصرية، كما هو بارز بشدة في هذه اللوحة.
اللون
يلتزم الخطاط إيجاز رحيم في هذه اللوحة، وخاصة في مجال اللون، استخدام تلك الرموز والدلالات التعبيرية والحسية والجمالية التي تنطق بها هذه الألوان في العقيدة الإسلامية، هذه الألوان لم تستخدم عبثاً، فلكل لون وقعه ووظيفته، ودلالته الحسية والشعورية والمعنوية، هنا لا اختلال بين الشكل والمضمون عند إيجاز رحيم الذي حرص على أن يكمل كل منهما الآخر، من خلال استخدامه للونين الأسود والأصفر أو تدرجات البني.
استخدم إيجاز اللون الأصفر في خط الآية على خلفية باللون الأسود، حرصاً منه على تقديم مكون أو شكل نهائي للمنظور الجمالي للوحة.
وكما هو معروف فقد استخدم الخطاطون المسلمون على مر التاريخ هذه الألوان لتعكس هذه المتقابلات (أو المتناقضات) كالظلمة والنور، فاللون في الفن الإسلامي ارتبط بمصدرين جوهريين أولهما: النور القادم من السماء، ذلك المقترن بالخالق الأعلى وهو (نور الله) سبحانه أو (نور القلوب) وهو الذي عبر عنه الخطاط باللون الأصفر، الذي يعني الإيمان الذي ينير دواخل النفس البشرية المظلمة، إذاً، فاستخدامه للون هنا، يحقق شرط فلسفة اللون في المفهوم الإسلامي، والأسود على سبيل المثال، هو لون مهم في الإسلام، ويمثل الحياء والتواضع والروحانية، إضافة كونه يرمز إلى القوة والسلطة، وفيه من السمات الإيجابية الشيء الكثير كالشعور بالدفء والراحة والأمان.
ضوء
الخطاط الباكستاني إيجاز رحيم من مواليد عام 1983، يعمل، منذ عام 2000، فناناً ورساماً محترفاً، حصل على المركز الثاني في المسابقة الوطنية للخط التي أقيمت في لاهور 2018، وشارك في العديد من المسابقات والملتقيات الخطية المحلية، وهو فضلاً عن احترافه لفن الخط كالثلث والنستعليق والنسخ والرقعة والديواني، يمتلك العديد من المهارات في الرسم بالألوان الزيتية والأكريليك.