د. حســن مــــدن
أحسب أن بعضكم فوجئ بأن شخصاً ينتحل شخصياتهم على أحد تطبيقات التواصل الاجتماعي، حيث ينشئ حساباً له باسمكم ويعززه بصور لكم مختارة من حسابكم الأصلي، ويبدأ في طلب صداقات الآخرين على أنه أنتم. وانتحالات وسائل التواصل اليوم تحمل في ثناياها مخاطر عدة، كأن ينشر المنتحل على الحساب الزائف مواد مسيئة تنسب إلى من جرى انتحال اسمه، حيث لا ينتبه الكثيرون إلى أمر هذا الانتحال، وفي بعض الحالات يتم اختراق أرقام الهواتف، وترسل منها رسائل إلى دائرة الأصدقاء تفيد بأنك في وضع مالي صعب، حيث سرقت محفظتك وأنت مسافر، وتطلب منهم العون السريع.
في زمن الكاتب الكولومبي غابرييل ماركيز لم تكن لوسائل التواصل الاجتماعي السطوة التي لها اليوم، بل إنها لم تكن قد ظهرت بالصورة الراهنة، ولكنه خصص مقالاً طريفاً له عن انتحال شخصيته عدة مرات وفي مناسبات مختلفة، إحداها كانت عندما استلم رسالة اعتذار شديد من شركة الطيران الفرنسي رداً على رسالة شكوى بُعثت منه يحتج فيها على سوء المعاملة في إحدى رحلات الشركة من مدريد إلى باريس، وتبلغه بأنها اتخذت إجراءات عقابية ضد المضيفة المسؤولة عن ذلك.
صدم ماركيز بأمر تلك الرسالة، فهو ليس فقط لم يتقدم بشكوى إلى الشركة، بل إنه لم يكن في تلك الرحلة أصلاً، قائلاً إنه يعاني «فوبيا» الطيران بطريقة تجعله غير مكترث بمعاملة فريق الرحلة، فكل ما يهمه هو الإمساك بيديه بقوة طرفي المقعد الذي يجلس عليه «كي أساعد الطائرة على البقاء محلقة في الجو»، كما يقول.
شعر ماركيز بالحرج الشديد من شركة الطيران، خاصة بالنظر لشحنة الاعتذار والأسف الواردة في رسالتها، وقرر أن يذهب بنفسه إلى مكتب الشركة ليوضح اللبس، ويعتذر لأن اسمه وارد في شكوى لم يقدمها، وهناك عرضوا عليه رسالة الاحتجاج ليس فقط لأسلوب كتابتها الذي يشبه أسلوبه، وإنما كذلك لصعوبة اكتشاف زيف التوقيع.
حكى ماركيز في المقال حكايات أخرى عن تلفيق أخبار عنه، كأن تنشر صحيفة تغطية لندوة لم يقمها، أو دعوة إلى حفل توقيع لأحد إصدارته لم يعلن هو عنه، وقبل موعد الحفل يتم الإعلان عن إلغائه لأن الكاتب لم يف بوعده بحضور الحفل.
وختم ماركيز بحكاية ليست ذات صلة مباشرة، حين فاجأه ابنه ذات صباح بالقول: «بابا.. أنت جئت تسأل عن نفسك»! قفز ماركيز من مقعده وهرع نحو الباب ليواجه شاباً مهندساً شاءت الأقدار أن يكون اسمه، هو الآخر، غابرييل غارثيا ماركيز، بذل جهداً للوصول إلى عنوان الكاتب ليسلمه ما تراكم في جعبته من رسائل، حسب مرسلوها أن المهندس الشاب ماركيز هو ماركيز الكاتب.
[email protected]