يأتي معرض الشارقة للكتاب في هذا العام بمذاق آخر، لقد اكتمل الحلم، وها هم العرب ينجزون معجمهم اللغوي التاريخي الجديد للقرن الحادي والعشرين، معجم يدون مفرداتهم وأشعارهم وأمثالهم ورؤيتهم للعالم من حولهم، ويدون أيضاً تاريخهم وأحلامهم وآمالهم، ويعبر عن تطلعهم لاستعادة مكانتهم بين الأمم. ويحق لنا القول إننا أنجزنا، وذلك عندما يكون العمل بحجم ذلك المعجم الذي يستحق التأمل والتفكر وقراءة التجربة الناجحة واستثمارها في تجارب أخرى، وهنا لا تتوقف الدهشة، ولا يستطيع المتابع أن يلتقط أنفاسه، فلم يفرغ صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، من الإعلان عن انتهاء العمل في المعجم وصدوره في 127 مجلداً، حتى أعقب ذلك بإعلان آخر حول مشروع الموسوعة العربية التي ستكون متاحة للجميع وشاملة لمختلف الحقول الأدبية والعلمية.
من الحلم يولد آخر، والإنجاز يعقبه إنجاز، والتطلعات لا تهدأ، هذا ما تعلمناه من الشارقة وحاكمها المثقف، فعندما نقرأ في محاولات إصدار معجم تاريخي للغتنا سنجدها كثيرة، ولكنها لم تكتمل، ولم يصبها التوفيق، ولكنها تحققت هنا في الشارقة في أقل من عقد من الزمان، وهو وقت لا يحسب بمعيار الأمم، ولكنه يساوي لنا الكثير، كان الهدف أن يكون لنا معجمنا مثل العديد من اللغات الأخرى التي لا تتسم بزخم وثراء العربية المعروف، وكان الهدف أن نتتبع تاريخ الكلمة وتحولاتها وتفاعلها هنا وهناك، فنحن أمة الكلمة التي احتفى بها كتابنا الكريم، وكان الهدف خدمة العربية هوية هذه الأمة وكتاب تاريخها وصمام أمانها في عصر تتداخل فيه الثقافات وتختلط فيه اللغات واللهجات، وتحققت كل الأهداف.
ولأن الحلم لا يتوقف نظر صاحب السمو حاكم الشارقة في حال الموسوعات العربية، وخاصة في ظل دراسات وأبحاث متكررة تؤكد كلها ضعف المحتوى العربي على الشبكة العالمية من جانب، وفي ظل وجود بعض الموسوعات العربية التي أنجزت بجهود فردية لا تلبي حاجة القراء والباحثين، ولا تعبر عن ثقل وحجم الثقافة العربية من جانب آخر، كان لابد من حلم آخر، بموسوعة عربية مؤسسية تشترك فيها فرق علمية وبمناهج وأدوات محكمة حتى تسد الفراغ في هذا الجانب.
لقد حققنا حلماً، وفي انتظار اكتمال حلم آخر، وبين التحقق والانتظار، علينا كافة مهما اختلف اهتمامنا أو تخصصاتنا أن نعمل على قدم وساق، حتى يكتمل الفعل، أن نضع العربية بين العقل والوجدان، أن نتحدث ونكتب ونحس ونشعر ونحب ونعبر بالعربية، ببساطة أن نتنفس بالعربية، هكذا علمنا صاحب السمو حاكم الشارقة، وعلينا أن نستوعب الدرس، وعلينا أن نقول لسموه: لقد فكرت فعزمت فأنجزت، ونحن أهل العربية، والعناية بها والصعود بها إلى المكانة التي تليق مهمة معلقة في رقابنا وضمائرنا وأقلامنا، وعلينا مرة ثانية التفكير في تلك الإضافة التي يمكن لكل منا أن يقوم بها في الحلم الآخر، حلم الموسوعة، حلم امتلاك المعرفة واستيعابها ثم الإبداع والمراكمة عليها، هنا نكون على قدر المسؤولية، فكلنا أبناء هذه الثقافة وشركاء في النهوض بمفاصلها والوصول بها إلى ذرى غير مسبوقة.
لمعرض الشارقة للكتاب هذا العام أكثر من مذاق، فها نحن أيضا أمام مبادرة إعفاء دور النشر الفلسطينية واللبنانية والسودانية من رسوم المعرض، فالثقافة لابد أن تكون للجميع، والثقافة لابد أن تُحمى وتصان وخاصة في مناطق الأزمات، فهي الأبقى مهما تغيرت الأوضاع والسياسات، هي رؤية تضع الإنسان في مقدمة أولوياتها، وتنسجم مع سياق أكده صاحب السمو حاكم الشارقة دائماً، وعلى مدار عقود، فالثقافة هي القلب الذي يغذي الأطراف بالدماء والهواء، وما يحتاجه الجسد ليعيش وينتج ويثمر أدباً وفناً وما ينفع الناس ويمكث في الأرض، فدرس سلطان يتمثل في أن الثقافة هي الحياة.
https://tinyurl.com/57mrynx3