الشارقة: مها عادل
أكد المشاركون في مؤتمر «سوا: 10 سنوات من التبادل الثقافي في التعلم المتحفي»، الذي نظمته هيئة الشارقة للمتاحف، واختتم أعماله، الثلاثاء، في متحف الشارقة للآثار، الدور الجوهري للتعلم وتبادل الخبرات بين ثقافات الدول في المجال المتحفي، باعتبارها حجر الزاوية لتعزيز التفاهم المشترك والتواصل الثقافي.
شدد الخبراء على أهمية تضمين التعلم بين الثقافات في نهج المتاحف، ليس فقط في كيفية تفاعلها مع المجتمعات، بل في تعزيز الوعي الثقافي، وإلهام الروابط العالمية، وترسيخ مكانة المتاحف كمساحات تعليمية شاملة تسهم في تشييد جسور التفاهم والاحترام المتبادل بين الشعوب.
واستعرض الحضور على مدار يومي المؤتمر، الذي نظمته الهيئة بالتعاون مع مجموعة الهلال، الشريك الاستراتيجي، وهيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة، الشريك البلاتيني، وبدعم من القنصلية العامة لجمهورية ألمانيا الاتحادية، سبل تعزيز التفاعل بين الثقافات لرفع مستوى الممارسات المتحفية، وترسيخ دور المتاحف كفضاءات حيوية للتواصل بين الثقافات وتلاقي وجهات النظر المتنوعة.
وبحث مختصون وأكاديميون وهواة في مجال المتاحف والثقافة من أنحاء العالم، تطور المتاحف واتجاهاتها المستقبلية، مشددين على أهمية الشراكات الدولية والتنوع الثقافي كحوافز ضرورية للابتكار.
وقال مجيد حميد جعفر، الرئيس التنفيذي لشركة نفط الهلال: «تتشرف مجموعة الهلال برعاية هذا الحدث البارز الذي يحتفل بالذكرى العاشرة لبرنامج «سوا»، استمراراً لمسيرة شراكتنا العريقة مع الهيئة، فمنذ انطلاقتنا في عام 1971، أصبحنا جزءاً لا يتجزأ من نسيج هذه الإمارة العريقة، ونغتنم هذه الفرصة لنحتفي بروح الانفتاح والتكامل الثقافي، والتي تنبض في شرايين شارقة الثقافة، التي تواصل تميزها كمركز إشعاع ثقافي يحتضن الأصالة ويرنو إلى آفاق المستقبل الرحبة».
مخرجات نوعية
كان أحد أبرز مخرجات المؤتمر، التي تناولها الخبراء والمشاركون بالبحث من خلال جلسات وندوات ثرية، التشديد على أهمية التعاون الثقافي، كعامل محوري في تحفيز الابتكار داخل المتاحف.
واستعرضت جيون لي، مدير قسم القيمين في مؤسسة الشارقة للفنون، تجربة «بينالي الشارقة»، ودورها في التفاعل المجتمعي من خلال ورش عمل، حيث تُمكّن الطلاب من استكشاف تنوع البيئات، وتعلم أبعاد ثقافية متعددة من خلال التبادل الثقافي المباشر، ما يعزز من تجاربهم التعليمية وينمي قدراتهم التفاعلية».
وفي حلقة نقاشية حول رحلة أمين المتحف: جمع وتنظيم، وصياغة المعارض، شدد د. ديفيد فرانسيس، محاضر فخري في الذاكرة، المتاحف والتراث في معهد الآثار في جامعة كلية لندن، على أهمية اللغة والترجمة لتوسيع وتسهيل إمكانية وصول الجمهور للأعمال الفنية، فيما تحدثت علياء الملا، أمين متحف الشارقة للفنون، عن ضرورة التوازن بين رؤية الفنان والأهداف الثقافية.
وأكدت سهيلة طقش، قيمة مؤسسة بارجيل للفنون، قدرة الفن على تجاوز الفجوات والاختلافات الثقافية، وتعزيز المتاحف كمنصات للتفاعل بين الثقافات.
وفي الجلسة التفاعلية بعنوان «التفسير المتحفي»، قدم د. جون بول سومنر، من مشروع إعادة اكتشاف أيريدي في المملكة المتحدة، تجربته في سرد القصص التفاعلي لجعل محتوى المتاحف أكثر قابلية للتواصل، مشدداً على أهمية التفاعل في التعليم بين الثقافات.
وقد أضاءت مناقشات ترأستها إيميليا سانشيز غونزاليس، من جامعة لوكسمبورغ على كيفية تعزيز مبادرات الشمول للتفاعل المجتمعي، بينما سلطت علياء بو رحيمة، من هيئة الشارقة للمتاحف، الضوء على مبادرة «متاحف على الطريق» التي تصل بالمقتنيات إلى جميع المناطق في إمارة الشارقة، مستهدفة جميع الفئات العمرية، وذوي الاحتياجات الخاصة.
وأوضح د. سهيل دحدل، من الجامعة الأمريكية في الشارقة، كيف يمكن للمتاحف تعزيز التفاعل من خلال التجارب الرقمية التفاعلية، مستشهداً بمشروع الواقع المعزز الذي نُفذ بالشراكة مع الهيئة، ويُضفي حياة جديدة على القطع الأثرية التاريخية، ويعزز دور المتاحف كمراكز تعليمية شاملة للتعلم بين الثقافات.
وأكدت صوفي بيرل، من متحف ستادت بيرلين، أن المتاحف تمثل مساحات تعليمية تتيح للزوار التفاعل مع السرد التاريخي بطرق تعزز المشاركة الفاعلة وتشجع التواصل الثقافي.
تحديات
في جلسة نقاشية أدارتها عائشة راشد ديماس بعنوان «الطموحات والعقبات: السعي للتأثير في وسط التحديات»، تباحث المشاركون سبل الحفاظ على التراث والتحديات التي تحيق به، حيث تحدث ناصر الدرمكي، نائب مدير مركز إيكروم الإقليمي في الشارقة، عن نشأة وتأسيس المكتب الإقليمي، مستعرضاً جانباً من قصص نجاحهم التي تبرز الدور الحيوي للحفاظ على التراث في المنطقة، بينما قدّمت دانيل كويتن، المدير والقيم المشارك في IC Imagine، مفهوم Imagine IC المبتكر كمركز يجمع بين مكتبة ومتحف وأرشيف، رغم أنه لا يحمل رسمياً صفة «متحف»، متطرقة إلى جهود المركز في حماية وتعزيز التراث، والتحديات التي واجهتهم في هذا المسار، كما شاركت لينا دولفن، مدير كولتور- وند هايماتهاوس شتات بلانكنبيرغ وخريجة برنامج سوا، وجهة نظرها حول التحديات التي واجهتها في تأسيس متحف في قرية صغيرة في ألمانيا، مشيرة إلى صعوبات إنشاء مؤسسات ثقافية في المناطق الريفية.
تأمل
تحدثت عائشة راشد ديماس، مدير عام الهيئة، عن الأثر العميق للبرنامج، بأنه ترك أثراً نوعياً ومستداماً خلال العقد الماضي، مشيرة إلى كونه نموذجاً رائداً للتعاون الثقافي عبر القارات؛ إذ أسهم في تعزيز التفاهم والتطور المهني للعاملين في المتاحف على الصعيد العالمي.
وأضافت: «مع اختتام المؤتمر، لا نحتفي فقط بإنجازات عشر سنوات مضت، بل نتطلع أيضاً إلى مستقبل تسهم فيه المتاحف بإثراء التعليم والشمولية وتبادل الثقافات بصورة أعمق وأكثر تفاعلاً».
وأكدت «ضرورة البناء على النقاشات والأفكار التي طُرحت خلال هذا المؤتمر، لضمان بقاء المتاحف مساحات نابضة بالحياة، لا تقتصر على صون التراث الثقافي، بل تمتد إلى إلهام وتعليم الأجيال القادمة، بذلك نرسخ دور المتاحف كمنارات معرفية وثقافية تستجيب للتحديات المعاصرة، وتلبي تطلعات المستقبل».
خطى ثابتة
عبرت عائشة ديماس لـ«الخليج» عن سعادتها بنجاح المؤتمر واستمرارية البرنامج بخطى ثابتة على مدى السنوات العشر الماضية، وقالت: «يتمتع (سوا) بخصوصية وتفرد في مضمونه، وكان حلماً في البداية، ثم تحول لواقع مهم ومؤثر. انطلقت الفكرة عام 2015 بداية من مشروع للتعاون بين متاحف برلين الوطنية والهيئة في تبادل المعارض والعرض المتحفي المشترك فقط، وظهرت فكرة التبادل الثقافي الحقيقي، وهذا أكثر ما يميزنا، ففي كثير من الأحيان تقدم المؤسسات الأوروبية التعاون في صورة حوار في اتجاه واحد بمعنى أن يتم تصدير الثقافة وليس تبادلها».
وتابعت: «نحرص دائماً على استقبال الخبرات من المؤسسات الأوروبية ومع الاهتمام بالتبادل، ونقل خبرات العديد من المؤسسات في العالم العربي التي تتمتع بممارسات متحفية قائمة، وعلى مستوى عالمي، وتكون أكثر فهماً وقرباً من البيئة المحلية، وهذه الخبرات متوفرة بالعديد من الدول العربية مثل مصر، وفي الهيئة أيضاً، هناك خبرات متراكمة على مستوى عالمي منذ التسعينات، ومن هنا نشأت فكرة بالرنامج ليكون وسيلتنا في تبادل الأفكار والثقافات والخبرات».
وتضيف: «حالياً البرنامج يتوسع، ويستمر في تقدمه، ويتم تدعيمه بالمزيد من الأفكار والخبرات والشركاء، هناك شريك جديد هي جامعة الدراسات العالمية، برئاسة الشيخة حور القاسمي، ومعهد الدراسات الإفريقية، فرؤيتهم تتماشى مع رؤيتنا في العمل المتحفي».
رؤى مطروحة
نجح «مؤتمر سوا 2024» في تسليط الضوء على القضايا الملحة التي تواجه المتاحف، كما وفر منصة لحل المشكلات بشكل تعاوني، حيث أكد المشاركون في ختام أعماله التزامهم بمواصلة الحوار وتطبيق الأفكار والرؤى المطروحة.
وتؤكد هيئة الشارقة للمتاحف التزامها المستمر بدعم التعاون الثقافي، وتعزيز ممارسات المتاحف على الصعيدين المحلي والعالمي.