«لست على ما يرام..».. كانت تلك إحدى العبارات المؤثرة التي ذكرتها أحلام مستغانمي في كلمة تكريمها شخصية ثقافية في معرض الشارقة الدولي للكتاب، ذلك أن دم الأطفال في غزة ولبنان هو قضية إنسانية ووجودية بالنسبة لكاتبة صافية الدم العربي منذ أن بدأت شاعرة في إصدارها الأول عام 1976، وإلى اليوم.
تكتب صاحبة «الأسود يليق بك» بعربية فصحى أنيقة خالية من الرطن الفرنكفوني الذي هو لسان البعض.
وقفت أحلام مستغانمي بكينونتها السبعينية على منبر المعرض، ورفعت رأسها وصوتها بحب الشارقة.
حبر أحلام مستغانمي وقلمها عربيان ثم عربيان، وهي بهذه الكينونة الإبداعية المحترمة تتحول إلى أيقونة روائية، وتتحول أيضاً إلى مثال شجاع بشأن الكتابة في حدّ ذاتها. الكتابة التي جعلت من هذه السيدة العربية الجزائرية، ابنة المثقف والرجل المبدئي، سيدة موقف أدبي وأخلاقي، سيدة نبيلة في زمن التهافت على سوق الشهرة والمتاجرة بالذمة والضمير.
في هذا الوقت الشارقي الثقافي بامتياز تُحْترم أحلام مستغانمي، ويجري تقدير قلمها الجريء بين قرّائها وأهلها في إمارة المعرفة والحكمة والعلوم.
في الوقت نفسه، وفي باريس، عاصمة الاستقطاب يحصل أحدهم على جائزة، وقبل ذلك يحرّض على اللغة العربية وعلى العرب، ثم لا يرى إلا الفرنسية، وما سواها لغات لا تصلح للأدب.
سئل مالك حدّاد ذات يوم عن الفرنسية التي يكتب بها (لا يعرف العربية) فقال: «الفرنسية منفاي، ولكن العربية وطني أو بلادي».
يستعيد القارئ مالك حدّاد وغيره من العروبيين الجزائريين، وهو يعاين الحقد الأصفر في صدور كتاب عرب فرانكفونيين باعوا أنفسهم لشيطان الاستقطاب، ووضعوا اللغة العربية خارج الذاكرة.
أحلام مستغانمي خارج هذا السرب، وخارج الجنة الباريسية التي ينعم بها شعراء وروائيون عرفوا من أين وكيف تؤكل كتف اللغة الفرنسية.
ولكن قبل وضع نقطة في آخر السطر يجدر القول من باب الإنصاف إن ليس كل فرانكفوني بيّاع مواقف وتاجر روايات. هناك من هو نظيف يكتب بالفرنسية وبالعربية من دون أن يمسك العصا من الوسط. قلمه فرنسي لكن الحبر عربي. القشرة فرنسية لكن اللب عربي. جلس أمين معلوف على مقعد رفيع في الأكاديمية الفرنسية لكن لبنان العربي يجري في دمه.
أحلام مستغانمي، مرة ثانية، أيقونة عربية.
[email protected]
https://tinyurl.com/mj6y7u8m