أتاح تزامن عقد الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن مؤخراً، مع انعقاد قمة بريكس في روسيا للمحللين، المقارنة بين نهجين هما أجندة الدول الغربية للإصلاح الاقتصادي والمالي، وأجندة القوى الصاعدة في العالم لهذا الإصلاح.
يتفق كلا النهجين على الحاجة إلى إصلاح النظام الاقتصادي والمالي، ولكن من منظورين مختلفين. فقد حددت دول الغرب أجندة الإصلاح في ثلاث محاور. المحور الأول، وهو السياسة النقدية، حيث شرعت البنوك المركزية الكبرى في الاقتصادات المتقدمة في تخفيض أسعار الفائدة الأساسية.
والمحور الثاني هو في سياسة المالية العامة. فبعد سنوات من انتهاج سياسة مالية تيسيريه في كثير من البلدان، ترى أنه آن الأوان لتثبيت ديناميكيات الدين، وإعادة بناء هوامش الأمان المالي التي تشتد الحاجة إليها.
والمحور الثالث هو الإصلاحات المعززة للنمو. فلا يزال يتعين بذل جهود أكبر بكثير، لتحسين آفاق النمو وزيادة الإنتاجية.
في الوقت نفسه دعت مجموعة «بريكس» إلى إصلاح صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولكن من منظور مختلف، ركزت فيه على مراعاة مصالح الدول النامية ورفض تهديدها بالعقوبات، وإخضاعها لآليات تحويل الأموال، مشددة في الوقت نفسه على إن الأولوية بالنسبة لها، ضرورة اتخاذ تدابير تدعم إصلاح منظمة التجارة العالمية، لتخفيف القيود على صادراتها وبناء نظام تجاري عادل، معتبرة إن الآليات التي باتت تطورها أو في طور تطويرها، فيما بينها، مثل نظام تحويل الأموال ونظام المدفوعات بالعملات المحلية، وإيجاد عملة واحدة، وإنشاء بنك للتنمية، تمثل بالنسبة لها بدائل أخرى للنمو.
هذه البدائل التي تطرح ويتم الترويج لها، تعكس تزايد نفوذ «بريكس» في الفترة الحالية، حيث تشكل الدول الأعضاء العشر 29% من الاقتصاد العالمي، و45% من عدد سكان العالم، مقارنة ب«مجموعة الدول السبع» التي تمثل 44% من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم. وهناك نحو 30 دولة تنتظر الانضمام إلى المجموعة. ووفقاً لأحدث توقعات صندوق النقد الدولي، من المقرر أن يعتمد الاقتصاد العالمي بشكل أكبر على مجموعة بريكس لدفع النمو العالمي، بدلاً من نظيراتها الغربية الأكثر ثراءً.
بطبيعة الحال، لا يخفى ما بين دول بريكس من خلافات سياسية ومصالح خاصة، لذلك، تحاول التركيز على التعاون في الجانب الاقتصادي والمالي المشترك في ما بينها.
حسناً فعلت البحرين، ومعظم دول التعاون بطلب الانضمام لمجموعة بريكس، لأن ذلك يوفر لها بدائل للتعاون الاقتصادي والاستثماري، وهو ما ينسجم مع توجهاتها في بناء اقتصادات أكثر تنوعاً، سواء من حيث مصادر الدخل أو الأسواق.
وقد لخص وزير الخارجية البحريني د. عبد اللطيف الزياني في كلمته في المؤتمر هذا الجانب، حينما أشار إلى الإنجازات التي حققتها بريكس، وتقدير البحرين للرؤية والأهداف التي تجسدها مجموعة بريكس، مشيراً إلى أن الالتزام بتعزيز النمو الاقتصادي، والتنمية المستدامة، وتكريس التعاون بين الدول، هو هدف جدير بالثناء ويلقى اهتمام الجميع.
وبطبيعة الحال نحن لسنا بغافلين أن مجموعة الدول الغربية لها مصالحها الخاصة التي تريد الترويج لها، من خلال اجتماعات الصندوق والبنك الدوليين، وكذلك الدول الرئيسية في بريكس مثل الصين وروسيا والهند لها أيضاً مصالحها الخاصة التي تريد تحقيقها، من وراء هذه المجموعة، لكن هذا التنافس بين الدول الكبرى يجعلها تتنافس لاستقطاب الدول الصاعدة، لخلق مصالح مشتركة يستفيد منها الطرفان. وهذا بالضبط ما يجب أن تسعى إلى الاستفادة منه هذه الدول، بطريقة تحافظ على استقلاليتها، وتحقق قدراً أكبر من مصالحها هي أيضاً.