تيري تومسون*
تسعى الدعوى القضائية التي رفعتها وزارة العدل الأمريكية، في سبتمبر/أيلول الماضي، ضد شركة «فيزا»، أكبر شبكة بطاقات مدفوعات في العالم، لممارسات متعلقة ببطاقات الخصم في الولايات المتحدة والمنافسة بين الشبكات وطرق الدفع الأخرى، إلى تصوير الشركة على أنها سبب رئيسي للأسعار المرتفعة التي يواجهها المستهلكون.
ليس لديّ أي مصالح مالية في الدفاع عن هذه الشركة بعينها. ومع ذلك، بصفتي مهووساً بالسياسة العامة للسوق الحرة، وأستاذاً سابقاً للاقتصاد، لدي كل مصلحة مهنية وسياسية وأخلاقية في انتقاد إدارة بايدن لمحاولتها التضحية بالقطاع الخاص في سبيل تغطية أوجه القصور الأخرى، وتأمين النقاط السياسية التي قد تساعد في ترويج قضية انتخابية.
ولحسن الحظ، اعترفت الدعوى بأن رسوم فيزا تشكل «جزءاً صغيراً» من كل عملية شراء للمستهلك، نحو 44 سنتاً من متوسط عملية شراء بقيمة 60 دولاراً، وهو ما يقل عن 1%. في المقابل تحصل فيزا على جزء ضئيل فقط من ذلك. ويذهب الكثير من الباقي إلى الجهات المصدرة للبطاقات، التي تستخدم الأموال لدعم عملياتها المصرفية الاستهلاكية، فضلاً عن المشاركين الآخرين في الشبكة. ومع ذلك، تزعم وزارة العدل أن هذه الرسوم، وهيمنة فيزا المفترضة في سوق المدفوعات الاستهلاكية، تشكلان عبئاً قمعياً على المستهلكين لابد من القضاء عليه.
في عام 2023، أصدرت وزارة العدل طلباً للتحقيق مع «فيزا»، طالبت فيه بالحصول على وثائق ومعلومات تتعلق بممارساتها في مجال بطاقات الخصم في الولايات المتحدة وتنافسها مع شبكات المدفوعات الأخرى. وقد بدأت هذه التحقيقات في عام 2021 بخصوص ما إذا كانت الشركة تستخدم ممارسات مقيّدة للمنافسة في هذا السوق. وكانت الشركة في ذلك الوقت قد أكدت التزامها بالقوانين المعمول بها في هذا المجال.
ولكن يبدو أن هذه القضية مصممة لتوليد عناوين إخبارية لا أكثر، والتحرك الذي اتخذته الوزارة لم يكن مجرد حيلة سياسية في عام الانتخابات، بل حالة كلاسيكية من الإجراءات التنظيمية الحكومية أيضاً التي يتم اتخاذها بعد فترة طويلة من بدء السوق بالفعل في تصحيح أي مشاكل قد تكون موجودة ذات يوم. وفي جوهر الأمر، تتهم الدعوى شركة فيزا باحتكار سوق المدفوعات من خلال صفقات مع منافسيها المحتملين، والتي تدفع لهم فعلياً لعدم التنافس معها بشكل مباشر. ولكن الواقع مختلف والمنافسة مزدهرة بالفعل.
أولاً، لطالما واجهت فيزا منافسة شرسة من شركات مهمة في القطاع أمثال «ماستركارد» و«أمريكان إكسبريس». وثانياً، بفضل صعود المنصات الرقمية، يمكن للمستهلكين الآن أيضاً اختيار تطبيقات مثل «فينمو» أو «بلوك»، سكوير سابقاً، لإجراء مجموعة ضخمة من المعاملات. وثالثاً، دعونا لا ننسى أن «فيزا» تواجه الآن منافسة مباشرة من «أبل»، أكبر شركة في العالم من حيث القيمة السوقية ب 3.4 تريليون دولار، و«جوجل»، التي تحتل شركتها الأم «ألفابت» المرتبة الرابعة بقيمة تريليوني دولار. حيث أضافت الشركتان العملاقتان، تطبيق المحفظة الرقمية الخاص بهما إلى الهواتف الذكية، ما سمح للمستهلكين بربط بطاقاتهم الحالية بهواتفهم وبحساباتهم المصرفية مباشرة. فهل من المفترض أن تكون فيزا، ذات ال 0.5 تريليون دولار تقريباً، الذئب الشرير الكبير الذي سيخنق المنافسين؟
بعبارة أخرى، يتنافس الوافدون الجدد في مجال مدفوعات المستهلكين على أماكن في سوق يغلب عليه المنافسون عملياً، بعيداً عن هيمنة اللاعب الواحد. وهذا إنجاز يستحق الاحتفال به في واقع الأمر، خاصة بالنظر إلى مدى صعوبة إنشاء هذه الشبكات.
حتى إدارة بايدن-هاريس نفسها لا تصدق هذه الحكاية الخيالية. ففي ورقة بحثية نشرتها هيئة حماية المستهلك المالية الفيدرالية أواخر العام الماضي، أشار مكتب المنافسة إلى أن شركات التكنولوجيا تتمتع بالقوة الحقيقية طويلة الأجل في سوق المدفوعات. وذكر التقرير أن تطور تكنولوجيا المدفوعات يعني أن «أبل» و«جوجل» تلعبان دوراً قوياً في تحديد خيارات الدفع للمستهلكين. وستكون لهاتين الشركتين، ونماذج الأعمال والخيارات التي تستخدمها، تأثيرات عميقة على القدرة التنافسية لسوق المدفوعات ومستقبل الخدمات المصرفية المفتوحة.
وعلى النقيض من ذلك، تحاول دعوى وزارة العدل تصوير شركة «أبل» كضحية عاجزة، مقيدة بمسار حديدي من قبل فيزا «الذئب الشرير». ولكن لو تعمقنا في الدعوى القضائية قليلاً، لوجدنا أن فيزا هي التي تخشى على وضعها في السوق، ولطالما نظرت الشركة إلى «أبل باي» بوصفها «تهديداً وجودياً لأعمالها»، وفقاً لدعوى وزارة العدل نفسها. فأين الاحتكار المزعوم؟
لقد دفعت المنافسة فيزا إلى إبرام مجموعة من الاتفاقيات مع «أبل» بدءاً من عام 2012 والتي صُممت، وفقاً لوزارة العدل؛ لتقليل خطر منافسة صانعة آيفون في سوق المدفوعات الاستهلاكية. وبالفعل، حققت هذه الاتفاقيات ل«أبل» ولمنافسين محتملين آخرين مئات الملايين من الدولارات سنوياً من فيزا.
وعليه، من المستحيل أن تكون فيزا هي المتنمر المهيمن على السوق كما تتخيل وزارة العدل، ولكن بالنسبة لإدارة عازمة على إلقاء اللوم على الجميع في التضخم، من أصحاب العقارات عن تكاليف السكن إلى محلات البقالة عن فواتير الطعام، أعتقد أن أي شيء جائز.
* كاتب مقال في «ريل كلير ماركيت»