فجّر المستشار الألماني أولاف شولتس أزمة حادة في بلاده، إثر إقالة وزير المالية كريستيان ليندنر، وانسحاب بقية وزراء الحزب الديمقراطي الحر من الحكومة، ما أدخل البلاد في أزمة سياسية عميقة، قد تمهد الطريق لانتخابات مبكرة في مطلع العام المقبل، بعدما فقدت الحكومة أغلبيتها في البرلمان.
الإقالة جرت بسبب خلافات حول الميزانية، بعد أن قدّم وزير المالية مشروع ميزانية، يتضمن إجراءات اقتصادية، لا تنسجم مع سياسات الحزبين الآخرين في الحكومة الائتلافية، وهما حزب شولتس الاشتراكي الديمقراطي وحزب الخضر.
ويأتي انهيار الحكومة بعد خلاف على مدى شهور، بشأن سياسة الميزانية وسبل إنعاش الاقتصاد المتعثر، مع انخفاض شعبية الحكومة، وصعود القوى المتشددة من تياري اليمين واليسار، في حين ربط زعيم حزب الخضر روبرت هابيك نائب المستشار بين إقالة وزير المالية، ورفضه تخصيص موارد أكثر لدعم أوكرانيا، وأشار إلى أن الحزب الديمقراطي الحر «لم يكن مستعداً للمضي قدماً في الدعم».
خلال الجلسة التي عُقدت في مقر المستشارية بحضور وزراء الأحزاب الائتلافية الثلاثة، أشار شولتس إلى أن وزير المالية «خان ثقتي مراراً.. والعمل الحكومي الجدي غير ممكن في هذه الظروف»، وقال إنه سوف يعتزم طرح الثقة بالحكومة في 15 يناير/ كانون الثاني المقبل، وعندها يمكن لأعضاء البرلمان تقرير ما إذا كانوا يريدون إجراء انتخابات مبكرة في أواخر مارس/ آذار المقبل.
يذكر أن ألمانيا تعاني أزمة اقتصادية حادة، وسط ضعف النمو والتحديات التي تواجهها قطاعات حيوية مثل الصناعة. ووفقاً لإحصاءات صندوق النقد الدولي فإن النمو المحتمل للناتج المحلي الألماني سيكون متواضعاً، حيث يبلغ 0.8 في المئة فقط خلال العام المقبل، ما يضعها في مستوى قريب من إيطاليا التي تأتي ضمن أبطأ الاقتصادات نمواً بين الدول الكبرى. ووفقاً لصحيفة «فاينانشيال تايمز» فقد انخفض الإنتاج الصناعي، باستثناء قطاع البناء بنسبة 16 في المئة عام 2017 في حين لم يشهد الناتج المحلي الإجمالي أي نمو منذ عام 2021، كما شهدت استثمارات الشركات تراجعاً في 12 ربعاً من الأرباع السنوية ال 20 الماضية.
كانت كلفة الحرب الأوكرانية على ألمانيا باهظة، خصوصاً بعد تدمير خطوط نقل الغاز الروسي في بحر البلطيق، إذ ارتفعت كلفة الحصول على غاز بديل، إضافة إلى المساعدات المالية الضخمة التي قدمتها برلين إلى كييف على مدى العامين الماضيين.
ووفقاً لمارسيل فرانشير رئيس المعهد الألماني للأبحاث الاقتصادية فإن التكاليف التي تتحملها ألمانيا منذ بدء الحرب الأوكرانية قد تزيد على 200 مليار يورو، في حين ذكرت صحيفة «راينش بوست» أن الكلفة وصلت إلى 240 مليار يورو، وهذا كله أثر سلباً في الاقتصاد الألماني، وأدى إلى حالة من الانكماش، وارتفاع تكاليف المعيشة، وإفلاس العديد من الشركات، التي بلغ عددها وفق معهد (أي دبليو إتش) الألماني 1530 حالة إفلاس، وهو أعلى عدد يسجل في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وسط هذه العاصفة الاقتصادية الحادة، تأتي الأزمة السياسية في ألمانيا، لتزيد الطين بلة، وتضع البلاد أمام مرحلة تغيير حقيقية، خصوصاً أن اليمين واليسار الألمانيين يحققان تقدماً غير مسبوق، وقد يغيران الخريطة السياسية في ألمانيا، إذا ما جرت انتخابات مبكرة.
https://tinyurl.com/et2kh2sm