دارسون أم مدرسون؟

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

د. حســن مــــدن

حتى اليوم يمكن القول إننا، كأمة، خاضعة للدرس من الآخرين، ولم نتحوّل بعد إلى دارسين لهم. صحيح أن رواداً للنهضة الفكرية العربية اهتموا بدراسة الآخر الغربي، من زاوية عقد المقارنة بين حالنا وحاله، وبغية بلوغ ما حققه من تقدم بتنا متخلفين عنه، فهذه كانت غاية رفاعة الطهطاوي في كتابه المهم: «تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، ولم تكن مؤلفات شهيرة لأسماء بارزة في تاريخنا المعاصر، ككتاب قاسم أمين «تحرير المرأة»، وكتاب علي عبدالرازق «الإسلام وأصول الحكم»، وكتاب عبدالرحمن الكواكبي «طبائع الاستبداد»، وكذلك كتاب طه حسين «في الشعر الجاهلي»، بعيدة عن تأثير ما اكتسبوه من معارف من الآخر الغربي.
لا نأتي على ذلك من باب المأخذ، فما كان للفكر العربي أن يشهد النقلة التي عرفها نحو التنوير والحداثة لولا تلك المؤلفات، التي سعت لتأخذ من فكر الغرب ما يفيد فكرنا وحده، وإنما واقع الحال في مجتمعاتنا، ولكن الغاية هي الإشارة إلى ندرة الأبحاث والدراسات العربية التي سعت إلى معرفة الآخر، الغربي وغير الغربي، من قبل مفكرينا العرب، وربما كان هذا منطلق مفكرين مثل الدكتور أنور عبدالملك، وكذلك الدكتور حسن حنفي لتأسيس ما دعاه «علم الاستغراب» كمقابل ل«علم الاستشراق»، أي أن نحذو حذو الغرب في دراسته من داخله، كما فعل هو نفسه في دراستنا، وهذا الجانب الأخير كان محل اهتمام إدوارد سعيد في كتابه الشهير عن «الاستشراق»، الذي سعى فيه إلى تفكيك منظومة الاستشراق معرفياً، وما أثاره الكتاب، عربياً، من مناقشات اتفقت مع الكتاب، أو اختلفت، كما فعل صادق جلال العظم في كتابه «الاستشراق والاستشراق معكوساً».
اللافت أن الآخر في أذهاننا، نحن العرب، يكاد ينحصر في الآخر الغربي، ومن النادر أن نتجه للآخر غير الغربي، حتى لو كان بعيداً عنا جغرافياً، كالصين واليابان مثلاً، وحتى الهند القريبة من بلدان الخليج. نفهم أن لاهتمامنا بالغرب مبرراته الموضوعية، حيث كنا على تماس تاريخي معقد معه، فضلاً عن قرابتنا الجغرافية، فلا يفصل بينه وبين غالبية بلدان المشرق والمغرب العربيين سوى البحر الأبيض المتوسط، ولكن، وخاصة في عالم اليوم، لم تعد الصين والهند وسواهما بأقل أهمية.
لا باس أن نُذكر، في هذا الإطار، بصفحة من تاريخنا. عنينا دراسة أبي الريحان البيروني عن ديانات الهند، الذي انتهى من وضعه في بداية العام الهجري 423، حيث قضى 40 عاماً في تلك البلاد يدرس شرائع أهلها وعاداتهم وأعيادهم، ونظم حياتهم، وخصائص لغتهم، وأصدر تلك الدراسة في كتاب حمل عنوان: «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مردودة»، ليصبح الكتاب من أول المراجع العالمية عن تلك البلاد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/52bxh3kr

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"