تحقيق: راندا جرجس
تتسم مرحلة مقدمات داء السكري، بارتفاع مستوياته لأعلى من الدم الطبيعي، لكنها لا تتسبب في الإصابة بالمرض، إلا أن عدم إجراء تغييرات في نمط الحياة وتناول الأطعمة الصحية، وجعل النشاط البدني جزءاً من الروتين اليومي والحفاظ على وزن صحي، يجعل البالغين والأطفال ممن لديهم فرص جينية للتعرض بشكل أكبر لخطر السكري من النوع الثاني،
وتكشف التقديرات أن هناك 537 مليون شخص مصاب يعيشون بالسكري، وسيصل العدد إلى نحو 783 مليون مصاب بحلول عام 2045.
وفي السطور القادمة يوضح الخبراء والاختصاصيون الفرق بين مقدمات المرض والأعراض التي تسبق الإصابة.
يذكر د. أيسم مطر، أخصائي الطب الباطني ومرض السكري، أن داء السكري من المشكلات المرضية التي لا يسبقها عادة ظهور عوارض مرضية، لكن هناك مجموعة من الظواهر والعلامات يجب الانتباه إليها مبكراً إن وجدت، ما يتطلب مراجعة الطبيب المختص وإجراء الفحوص اللازمة لكي تتم السيطرة على المرض حتى قبل حدوثه، وعدم تحوله من مرحلة المقدمات أو ما قبل السكري، وبالتالي الإصابة من النوع الثاني بالمرض، والتعرض للمضاعفات الخطِرة والأضرار التي يمكن أن تنجم عن إهماله.
ويتابع: تتمثل هذه الدلائل في الإحساس بالتعب المستمر، العطش والتبول الأكثر من المعتاد، تشوش بالرؤية، ظهور مناطق داكنة من الجلد عادة في ثنايا العنق والأكتاف والحوض وكذا زوائد جلدية، ويظهر عند السيدات جفاف وإصابات فطرية بالأعضاء التناسلية وتكرار التهابات الجهاز البولي البكتيرية، وتغير في طبيعة الدورة الشهرية، إضافة إلى إيجاد صعوبة في حدوث الحمل.
ويضيف: تحدث العلامات السابقة قبل ظهور الأعراض التقليدية لداء السكري المتمثلة في الشعور المتزايد بالجوع على الرغم من تناول الوجبات المعتادة، العطش الشديد، فقدان الوزن غير المبرر، كثرة التبول، الإرهاق المستمر، حالات العدوى المتكررة، الخدر أو الوخز في القدمين أو اليدين، تأخر شفاء الجروح وبطء التئامها، وتغير بالبصر.
ويلفت د. مطر إلى أن بعض الحالات المرضية يمكن أن ترتبط بزيادة خطر الإصابة بمقدمات داء السكري، وأبرزها حالات السمنة المرافقة لمقاومة الأنسولين ويطلق عليها «متلازمة التمثيل الغذائي»، إضافة إلى ارتفاع ضغط الدم، ارتفاع مستويات البروتين الدهني قليل الكثافة «الكوليسترول الضار» وارتفاع نسبة الدهون الثلاثية، أمراض الغده الدرقية، الأشخاص المصابين بانقطاع النفس الانسدادي أثناء النوم، إضافة إلى متلازمة المبيض متعدد التكيسات عند النساء، وسكري الحمل.
ويشير د.مطر إلى أن هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تزيد من احتمالات الإصابة بمقدمات السكري من النوع الثاني، وخاصة بعد سن ال45 عاماً، ومن بينها: التاريخ العائلي، السمنة، فكلما زادت الأنسجة الدهنية وخاصه حول البطن ارتفعت مقاومة الخلايا للأنسولين، إضافة إلى قلة النشاط والخمول وعدم ممارسة الرياضة، اضطرابات النوم، تناول الكثير من اللحوم الحمراء والأطعمة المصنعة والسكريات والقليل من الخضراوات والفواكه، المشروبات المحلاة بالسكر، التدخين، الإرهاق العصبي المستمر، وتناول بعض الأدوية لفترات طويلة كالكورتيزونات.
عوامل الخطر
يوضح د.مانوج جيدام، أخصائي الغدد الصماء، أن داء السكري يعد من الأمراض الأيضية التي تتسم بتقدمها المزمن الذي يرتبط بارتفاع مستوى السكر في الدم، وقد وصل إلى مستوى الوباء على مستوى العالم، وهناك بعض عوامل الخطر التي تزيد من فرص الإصابة، وهي غير القابلة للتعديل مثل العمر، التاريخ العائلي والجينات الوراثية، والانتماء العرقي.
ويتابع: تسبب ارتفاع معدلات السمنة لدى الصغار إلى إصابة عدد أكبر من الأطفال والمراهقين بمرض السكري في سن مبكرة، وبالمثل، فإن 40% من لديهم أقارب مصابون من الدرجة الأولى هم معرضون للمرض، وتجدر الإشارة إلى أن السمنة هي حالة صحية معقدة تنطوي على كمية زائدة من الدهون في الجسم ويتم تحديدها من خلال مؤشر كتلة الجسم، وتزيد دهون البطن في الجسم من الالتهاب ما يقلل من حساسية الأنسولين ويسهم في الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني، كما وجدت الدراسات أن بعض المجموعات العرقية والأشخاص الذين يعيشون في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل معرضون بشكل كبير لخطر الإصابة.
يلفت د.جيدام إلى أن نمط الحياة أحد العوامل المهمة القابلة للتعديل لتطور مرض السكري، حيث إن تناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة كبيرة من الدهون المشبعة ذات السعرات الحرارية العالية، ومحتوى منخفض من الألياف، كما يتسبب تناول اللحوم الحمراء والأطعمة المقلية والحلويات المركزة والمشروبات الغازية في ارتفاع معدل انتشار مقاومة الأنسولين، ونسبة الدهون في الدم، ما يزيد من فرص الإصابة، فضلاً عن متلازمة التمثيل الغذائي، لأنها ترتبط بشكل مباشر بزيادة الوزن ومؤشر كتلة الجسم.
ويشير إلى أن الفرد يعتبر غير نشط بدنياً إذا لم يمارس التمارين الرياضية الموصي بها لمدة 30-60 دقيقة ثلاث إلى أربع مرات في الأسبوع البدنية المنتظمة لتعزيز نظام الدفاع المضاد للأكسدة، حيث إن الخمول البدني يقلل من حساسية الأنسولين، ما يؤدي إلى ضعف تحمل الجلوكوز وفي نهاية المطاف داء السكري من النوع الثاني.
يؤكد د.جيدام أن التدخين والاستهلاك المفرط للكحول والاكتئاب من عوامل الخطر التي تسهم في تطور داء السكري وفقاً للأبحاث، كما وجدت الدراسات أن النوم غير المعتاد والمضطرب والمحدود يرتبط بعدم تحمل الجلوكوز، وخاصة العاملون الذين يعانون التعب والإرهاق ولا يحظون بالقيلولة أثناء النهار بسبب ساعات العمل والنوبات غير المنتظمة، ما يتسبب في الإصابة بانقطاع التنفس الانسدادي أثناء النوم، ونقص الأكسجة المتكرر الذي يؤدي إلى زيادة في النشاط والالتهاب، وبالتالي مقاومة الأنسولين وفي النهاية إلى داء السكري من النوع الثاني.
مقاومة الأنسولين
يوضح د.محمد شفيق هو أخصائي في الطب الباطني، أن مقاومة الأنسولين تحدث عندما تصبح خلايا الجسم أقل استجابة للأنسولين (الهرمون الذي يساعد على تنظيم مستويات السكر في الدم)، ما يعني أن الجلوكوز لا يمكن أن يدخل الخلايا بشكل فعال، ويؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم. يمكن أن يسهم بمرور الوقت، في تطور داء السكري من النوع الثاني، حيث يضطر البنكرياس للعمل بجهد أكبر لإنتاج مزيد من الأنسولين للتعويض.
ويضيف: إن الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن أو السمنة، وخاصة أولئك الذين لديهم دهون زائدة في البطن، هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بمقاومة الإنسولين، وتشمل العوامل الأخرى نمط الحياة المُتسم بقلة الحركة، والاستعداد الوراثي، والتقدّم في السن، وبعض الحالات الصحية مثل ارتفاع ضغط الدم ومتلازمة المبيض متعدد التكيّسات عند النساء، ويؤدي العرق (الأصل الإثني) أيضاً دوراً مهماً، حيث تستهدف المشكلة مجموعات معينة، مثل: الأمريكيين من أصل إفريقي ومن أصل إسباني.
يذكر د.شفيق أن مقاومة الأنسولين لا تتسم بعلامات واضحة في معظم الحالات، وتشمل الأعراض المحتملة التعب والإعياء والجوع وصعوبة التركيز والبقع الداكنة على الجلد (الشوّاك الأسود) والدورة الشهرية غير المنتظمة، وتشمل أبرز الأسباب السمنة والخمول وسوء التغذية والتغيرات الهرمونية، وينطوي التشخيص عادةً على إجراء اختبارات الدم لقياس مستويات الإنسولين الصائم واختبار تحمل الجلوكوز عن طريق الفم.
يشير د.شفيق إلى أن طرق علاج مقاومة الأنسولين تشمل إجراء تغييرات في نمط الحياة مثل فقدان الوزن، وزيادة النشاط البدني، والتعديلات الغذائية لتقليل السكر والكربوهيدرات المكررة، ويمكن أيضاً وصف الأدوية التي تسهم في إنقاص الوزن.
أرقام ومضاعفات
تشير الإحصائيات إلى أن داء السكري أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في جميع أنحاء العالم، حيث توفي نحو 7.6 مليون شخص من المرض في 2021، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وتبين التقديرات إلى أن هناك 537 مليون شخص مصاب يعيشون بالسكري، وسيصل العدد إلى نحو 783 مليون مصاب بحلول عام 2045.
يعتبر داء السكري من المشكلات المرضية التي تحتاج إلى رعاية دائمة لإدارة حالة المصاب، وتجنُّب المخاطر الصحية أو تأخير ظهورها، عن طريق اتباع نظام غذائي صحي، وممارسة النشاط البدني، وتناول الدواء الموصوف له، وإجراء فحوص منتظمة، وعلاج المضاعفات التي تتمثل في اعتلال الشبكية السكري الذي يتسبب في فقدان البصر، والفشل الكلوي، والنوبات القلبية، والسكتات الدماغية، وبتر الأطراف السفلية. وتنصح المؤسسات الطبية برفع مستوى الوعي حول تأثير داء السكري في المجتمع، وتشجيع التشخيص المبكر، ودعم المتضررين، عن طريق تعزيز الاطلاع على العلامات التحذيرية للإصابة به، وسبل الوقاية من المرض، وتعزيز دور الأسرة في التثقيف الصحي، وتوفير الأدوية والتقنيات والدعم والرعاية لجميع مرضى السكري.