افتتحت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، اليوم (الثلاثاء)، فعاليات «منتدى آيكوم الدولي 2024»، الذي نظمته «دبي للثقافة» بالتعاون مع فرع الإمارات للمجلس الدولي للمتاحف (آيكوم - الإمارات) في متحف الاتحاد، وذلك في إطار التحضيرات للمؤتمر العام الـ27 للمجلس الدولي للمتاحف (آيكوم 2025 دبي)، الذي تستضيفه دبي لأول مرة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا وجنوب آسيا، تحت شعار «مستقبل المتاحف في مجتمعات سريعة التغيير»، ما يرسخ مكانة الإمارة مركزاً عالمياً للثقافة، حاضنة للإبداع وملتقى للمواهب.
قالت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم: «يُشكّل المنتدى بداية رحلة مهمة يتوّجها في نوفمبر/ تشرين الثاني 2025 حدث تاريخي يجمع أكثر من 4000 من المتخصصين وخبراء المتاحف من أنحاء العالم، للانخراط في مناقشات عميقة وعقد شراكات بنّاءة، تُسهم في استكشاف طرق مبتكرة للتأقلم مع التحولات المستمرة التي تشهدها مجتمعاتنا، ورسم ملامح مستقبل قطاع المتاحف التي تشكل جزءاً أساسياً من هوية دبي المتفردة، بوصفها منارات حضارية ومراكز للمعرفة والابتكار، وحاضنة لتراثنا الغني ونافذة نطل من خلالها على المستقبل، إلى جانب ما توفره من مساحات واسعة للتعلم والإلهام وتبادل المعرفة، وما تلعبه من دور محوري في مد جسور التواصل بين الأجيال».
وأكدت سموها أن دبي جعلت من الثقافة ركيزة أساسية في مسيرة تقدمها، ما رسّخ مكانتها ملتقىً للمواهب ومركزاً لتبادل الرؤى المتعلقة بقطاع المتاحف والمساهمة في رسم ملامح مستقبلها، لافتةً إلى أن استضافة الإمارة لـ «منتدى آيكوم الدولي 2024» تعبّر عن جوهر هويتها الثقافية، وإمكانياتها وقدراتها اللامحدودة، وتعكس طموحاتها وريادتها على الخريطة العالمية.
روح الانتماء
أشارت سموّ رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي إلى أهمية التعاون الدولي في تطوير القطاع الثقافي، وضرورة مواكبة المتاحف لما يشهده العالم من تطورات. قائلة: «علينا المحافظة على جاذبية متاحفنا كمواقع نابضة بالحياة ترتبط مع نسيجنا الثقافي، ومؤسسات حيوية تواكب متغيرات الزمن، وتُسهم في تعزيز روح الانتماء لدى أفراد المجتمع».
وأكدت سموّها على أهمية تبني الابتكار ودمج التقنيات الحديثة لمعالجة القضايا المجتمعية المعاصرة، وتعزيز مكانة المتاحف وإثبات حضورها في صميم المشهد الثقافي والإبداعي، وضمان استمرارية دورها في إلهام الأجيال القادمة وتعليمها.
ثلاثة محاور
تناول المنتدى العالمي ضمن فعالياته ثلاثة محاور فرعية، استعرضت أهمية حماية الحفاظ على التراث غير المادي، وقوة الشباب، وانتشار التقنيات الحديثة، إلى جانب استكشاف سبل مواجهة التغيرات السريعة التي يشهدها العالم، وإتاحة الفرصة للحوار والتبادل الفكري بين أعضاء المجلس الدولي لآيكوم، ومجموعة من الخبراء والمختصين في المتاحف على المستويين المحلي والعالمي.
نقاشات ثرية
تضمنت أجندة المنتدى العالمي عدداً من الجلسات والكلمات الرئيسية، شهدت نقاشات ثرية وتبادل الأفكار المتعلقة بأساليب استكشاف الهويات الثقافية وحفظها، إلى جانب استعراض مجموعة من الفرص والقضايا الحيوية التي تؤثر في مستقبل المتاحف.
استهلت الجلسات بكلمة افتتاحية قدّمها الشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة، أشار فيها إلى أن المجلس الدولي للمتاحف قدّم منصة مهمة تجمع بين محترفي المتاحف والخبراء وقادة الثقافة من أنحاء العالم. وقال: «نهدف عبر هذا المؤتمر إلى تبادل الحوار والمعرفة وتعزيز التعاون، واستكشاف مستقبل المتاحف التي تربط المجتمعات بتراثها وثقافتها وهويتها، ومن خلاله سنعيد تصور الابتكار في قطاع المتاحف، والتقنيات الجديدة الناشئة عن التحول الرقمي»، مؤكداً أن الإمارات أظهرت التزامها بإثراء المشهد الثقافي.
وأضاف: «تشكل المتاحف جزءاً لا يتجزأ من حياة المجتمع، إلى جانب دورها الحيوي في حماية التراث وتعزيز التبادل بين الثقافات»، لافتاً إلى أهمية تسخير قوة المتاحف لتعزيز الوحدة والتسامح ورفع مستوى الوعي لدى الأجيال القادمة.
تجربة جديدة
من جهتها، لفتت د. إيما ناردي، رئيسة المجلس الدولي للمتاحف (آيكوم)، إلى أن الالتزام الذي يظهره أعضاء المجلس يسلط الضوء على القيمة الكبيرة للمؤتمر العام للمجلس الدولي للمتاحف. وقالت: «رغم أن المؤتمر يركز دائماً على المتاحف، إلا أن كل حدث يقدم تجربة جديدة تشكلها السياقات العالمية والمنظورات الفريدة للدول المضيفة؛ حيث توحّد منظمتنا بين المختصين بالمتاحف من 130 دولة، ما يخلق شبكة نابضة بالحياة من وجهات النظر الدولية التي تلهم وتعزز مجتمع المتاحف العالمي، ومن خلال المشاركة الفعّالة في المؤتمر العام، يُظهر أعضاؤنا انفتاحاً عميقاً على اكتشاف وفهم المشهد المتحفي العالمي، وتوسيع الآفاق وتشكيل شبكات جديدة».
شبكة عالمية
أشارت ميديا إس. إيكنر، مدير عام المجلس الدولي للمتاحف، إلى أن المجلس يمثل شبكة عالمية تربط أكثر من 53 ألف عضو من أكثر من 130 دولة. وقالت: «نحن صوت المتاحف في أنحاء العالم، وندافع عن أهميتها في المجتمع وإمكاناتها لدفع التغيير الإيجابي. المتاحف ليست مجرد أماكن للتأمل، وإنما هي أماكن للعمل ومعالجة التحديات العالمية الحرجة، من تغير المناخ، وتوفير مساحات تُسهم في إعادة تعريف التاريخ».
الثقافة الإماراتية
استضاف المنتدى العالمي زكي أنور نسيبة، المستشار الثقافي لصاحب السمو رئيس الدولة، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتحدة، الذي افتتح نقاشات محور «التراث غير المادي» استعرض فيها أهمية التراث غير المادي في فهم الثقافة الإماراتية، كما تطرق إلى أبرز المبادرات التي اتخذها القطاع الثقافي في الدولة. وقال: «يمثل التراث غير المادي جوهراً إنسانياً يعكس الهوية الثقافية، ويُسهم في فهم التجربة الإنسانية الأعمق وتعزيز التواصل الحضاري، حيث يشكل تحديد مفهوم التراث غير المادي، جانباً أساسياً من الهوية الثقافية لأي أمة، ويتجلى في السلوكيات والعادات التي تُمارس ضمن سياقات معينة، ويُعبر عنه من خلال الأداء والممارسات والطقوس الحرفية، ويعكس بصيرة ومعرفة معمّقة بالعالمين المادي والاجتماعي».
وتضمن المحور عقد مجموعة حوارات مع كل من د.عبدالعزيز عبدالرحمن المسلم، رئيس معهد الشارقة للتراث، وعلياء يونس، أستاذ مساعد في دراسات السينما والتراث في جامعة نيويورك أبوظبي، تطرقا خلالها إلى مستقبل التراث غير المادي في ضوء التغيرات المعاصرة.
توظيف الابتكار
افتتح إدوارد رودلي، الشريك المؤسس ومدير شركة The Experience Alchemists، نقاشات محور «التقنيات الحديثة» التي ركزت على أهمية توظيف الابتكار الرقمي لتعزيز تفاعل المتاحف مع الجمهور، وتحسين استراتيجياتها في العصر الرقمي. تلتها جلسة بعنوان «التقنيات الطبيعية»، وفيها قدّمت مرجان فريدوني، الرئيس التنفيذي للموارد البشرية ورئيس التعليم والثقافة في مدينة إكسبو دبي، عرضاً حول مفهوم المحاكاة الحيوية أو التصميم المستوحى من الطبيعة، واستعرضت مرجان كيف يستفيد جناح «تيرا – أعجوبة العالم الحية» من الطبيعة في تصميم وتشغيل وتحسين تجربة الزوار.
الأدوات الرقمية
ناقش د.سيمون تانر، أستاذ التراث الثقافي الرقمي في كلية كينجز البريطانية، كيف يمكن للمتاحف استخدام الأدوات الرقمية للتواصل مع المجتمع. في حين قدّم بابلو غواياسامين مادرياني، منسق البرامج في مكتب مساعد المدير العام للثقافة في منظمة اليونسكو، شرحاً عن متحف افتراضي عالمي مُخصَّص للتحف الثقافية المسروقة، الذي يُطلق في عام 2025، ويستخدم تقنيات ثلاثية الأبعاد والواقع الافتراضي لإحياء القطع الأثرية التي فقدت بسبب الاتجار غير المشروع، مع تسليط الضوء على أهميتها الثقافية.
قوة الشباب
أما الكاتب والباحث الإماراتي الشيخ سلطان سعود القاسمي، مؤسس ومالك مؤسسة بارجيل للفنون، فقد افتتح نقاشات محور «قوة الشباب» الذي تناول التأثير الإيجابي للشباب في قيادة التغيير وتحفيز الابتكار في المتاحف على المستوى العالمي.
وسلطت القيّمة الفنية منيرة الصايغ، مؤسِّسة منصة دروازة التجريبية للفنون، خلال جلستها، الضوء على صناعة المعارض كممارسة تتأثر بعمق بالمكان واللغة.
وشارك أوسيموديامن إيكوري، أمين مكتبة وبرامج (Bootleg Griot)، في مناقشات حول كيفية استفادة المتاحف من دراسة استراتيجيات المنصات الإعلامية للتواصل مع الشباب، بما يمكنها من تطوير برامجها ومعارضها وأنشطتها لتصبح أكثر شمولية وجاذبية، ما يعزز دورها المحوري في المشهد الثقافي، ويضمن استمراريته للأجيال القادمة.
منصة حيوية
اختتمت هالة بدري، مدير عام «دبي للثقافة» ورئيسة اللجنة التنظيمية لآيكوم دبي 2025، المؤتمر العلمي بالتأكيد على الالتزام الجماعي للمتاحف بإنشاء منصة حيوية للحوار في المنطقة وخارجها.
من جهة أخرى، أتاح «منتدى آيكوم الدولي 2024» برنامجاً فريداً لبناء القدرات والتدريب للمشاركين، صمّمه أعضاء اللجنة الدولية لآيكوم خصيصاً لهذا المنتدى.
كما أتاح البرنامج لقاءات مثمرة بين خبراء آيكوم والمتخصصين المحليين في المتاحف عبر جلسات تفاعلية، وغطى التدريب موضوعات في مقدمة جداول أعمال المتاحف، بما في ذلك حماية التراث غير المادي، ودور المجتمعات الحيوي في الترويج له؛ التخطيط الطارئ للمتاحف، ويشمل الاستعداد، الاستجابة، والتعافي؛ وأهمية توثيق المجموعات والمقتنيات، وإدارة المعلومات لدعم العمليات الفعالة وتعزيز إدارة المجموعات بشكل متين.
منظمة متخصصة
يُذكر أن المجلس الدولي للمتاحف (آيكوم) الذي تأسس في العام 1946 تحت مظلة الأمم المتحدة، يُعدّ منظمة عالمية متخصصة في مجال المتاحف وتطويرها والتنسيق فيما بينها، ويضمّ في عضويته أكثر من 50 ألف متخصص من 120 دولة، إلى جانب ما يقارب 20 ألف متحف حول العالم، وكان فرع الإمارات للمجلس الدولي للمتاحف (آيكوم- الإمارات) قد تقدم بالتعاون مع «دبي للثقافة» وبلدية دبي، ودائرة الاقتصاد والسياحة بدبي في 2021 بملف الإمارات لاستضافة المؤتمر العام لـ«آيكوم 2025» في دبي.
وتقديراً لمكانة الدولة ودور دبي البارز في مجال حفظ التراث، والنهج الذي تتبناه في تطوير اقتصادها الإبداعي، اختار المجلس الدولي للمتاحف دبي من بين قائمة المدن المنافسة لاستضافة المؤتمر.