هل تسمح، بكريم حِلمك، باستعادة جملة لم تأخذ أمس حقها المسكينة؟ «ما دور الفنون والثقافة عموماً في شحن إرادة الأمّة وطموحها، وتمهيد سبل نهضتها واستئناف حضارتها؟» هل من عربي يعرف عدد المثقفين العرب، أدباء، فنانين في كل الفنون الجادّة، مسرحيين، سينمائيين، مع نثريات الإنتاج المتسلسل غير الهابط؟ قل رقماً حدساً وتخميناً. مئة ألف مثلاً؟ لكن هذا الرقم معيب من وجهين: إذا نظرتَ إليه من حيث النسبة إلى أربعمئة مليون نسمة، صدمتك، فهي صفر فاصل صفر خمسة وعشرون. الأنكى أن تحار في كنه مئة ألف من أهل الإبداع المفترض، تكون أمّتهم على ما لا داعي إلى توضيح الواضحات.
غير أن هذا الطرح بعيد من الواقعية، وظلم للشعوب، وإلا فهل يجوز أن نحصر الثقافة في تلك الفئات، وأن نقصي أساتذة العلوم الإنسانية بكل فروعها وتخصصاتها، والعلوم البحتة والتطبيقية بجميع ميادينها، والأطباء والمهندسين والحقوقيين، ثم، تواضعاً، تركنا الإعلاميين لمسك ختام القائمة. بالمناسبة: الجاحظ قبل أكثر من ألف سنة حلّ مشكلة المجاملات: تفضل أنت، لا بل تفضل أنت، عليّ الطلاق أن تدخل أوّلاً. قال: «إن تقدّمتُ فحاجب.. أو تأخّرتُ فواجب». عفواً: هل بلغ العدد بضعة ملايين؟ يا للمأساة، نخب مليونية لا تشكّل حتى بطارية إرادة وطموح ونفَس ملحمي يقظوي. أيام زمان، شاب من مسقط رأس القلم، توزر، رحل في الخامسة والعشرين، في سنة 1934، ببيت واحد جعل الشابي الأمّة من الماء إلى الماء تردده. هل ثمة عربي لم يبلغه صداه: «إذا الشعب يوماً»؟ هل يستطيع الدماغ أن يقدّر كم يزن بيت شاعر النيل حافظ إبراهيم: «أنا إن قدّر الإله مماتي.. لن ترى الشرق يرفع الرأس بعدي»؟ تلك مصر حين تتحدث عن نفسها.
ليس من الضروري أن تكون السنون والعقود نسخاً مستنسخة، فلكل حقبة ظروفها وملابساتها. إلا أن الضرورة تدعو إلى عدم إهمال أن الثقافة لها علاقة مباشرة بالأجيال. من ذلك أن على المناهج أن ترتّب بيت موادّها المقررة. لا يجوز مثلاً أن يدرس الطلاب أشعار الفخر والحماسة، وتاريخ أمجاد الحضارة الإسلامية، بينما هم يرون قرابة نصف البلدان العربية، قد تداعت كأحجار «الدومينو». التربية الوطنية أيضاً يجب أن توضع في فضاء محيطها الواقعي الحيوي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكرية: من الضروري أن تكون الثقافة في صميم محاور الأمن القومي، وإلا فهي ديكور مهمل.
[email protected]
https://tinyurl.com/5xye9rss