الناشر: دائرة الثقافة الشارقة
الشارقة: عثمان حسن
«المتنبي بين السيرة والتاريخ» لعلي كنعان هو كتاب يمثل قراءة متأنية في شاعر الأمة بامتياز «أبو الطيب المتنبي» وهي قراءة كما يؤكد مؤلف الكتاب لا تخلو من محبة وإعجاب وتأمل في ضوء التطور الفني والبياني الذي أبدعته أجيال من الشعراء، ولكون المتنبي ليس شاعر مرحلة محددة في تاريخ الأدب العربي فحسب؛ بل هو صرح متفرد في ديوان العرب، لا مثيل له ولا نظير.
صدر الكتاب عن دائرة الثقافة في الشارقة وجاء في 163 صفحة، واشتمل على إضاءة واستهلال، وعشرة أبواب رئيسية هي: (عقيدة الشاعر، عنفوان الشباب، الزمن وإشكالياته، السنوات العجاف، في ظل سيف الدولة، محنة الفراق، شوارد متناثرة، ثقافة الشاعر، الختام، وقصيدة تحت الحصار).
واستغرق تأليف هذا العمل نحو ثلاث سنوات من الإعداد والمراجعة والتمحيص، حيث أبحر علي كنعان في قراءة الهواجس والهموم والتطلعات التي شغلت شاعر العربية واختبرها وعاناها بيئة ومجتمعاً وواقعاً وتحدياً واستشرافاً، حيث يؤكد علي كنعان أن ديوان المتنبي يكشف عن أن الشعر كان رسالته العبقرية وأن قصائده كما رتبها المتنبي بعناية بالغة تشكل سيرة ذاتية جلية، متواشجة مع سرد تاريخي حافل بالعناصر الدرامية في التعبير عن حياته وتطلعاته وتفاعله مع الأمراء وأولياء الأمور، إلى جانب أنواع شتى من الناس في المحيط الاجتماعي الذي عاش فيه متنقلاً بين مختلف الأمصار، من العراق إلى بلاد الشام بمختلف أرجائها، متلمساً وسيلة عيشه بين وجهاء المدن، حتى وصل إلى مصر وخرج منها فراراً، في تلك المرحلة التاريخية المضطربة في شتى أرجاء العالم العربي.
*عنفوان الشباب
إن قيم الخير والجمال الكامنة في رسالة الحرية والكرامة مقرونة بالفروسية لأدائها، هي رسالة فردية اجتماعية، كما يؤكد علي كنعان، وأبو الطيب المتنبي كان يدرك أن معتنقيها من الفرسان الميامين لا بد أن ينتصروا يوماً. ولقد أوجز المتنبي عماد رسالته وأهم أركانها في قصيدة «الحمى» وذلك في الطموح إلى بلوغ الكمال:
ولم أر في عيوب الناس شيئا
كنقص القادرين على التمام.
لكن الكمال لا يمكن أن يدركه الإنسان، ولا يقوى على مقاربته إذا لم يكن مستمتعاً بالحرية، فالحرية هي المثل الأعلى في الحياة، ولا بد أن تكون مزودة بنور العقل ونعمة الحكمة.
كان أبو الطيب المتنبي يجمع كثيراً من مثل هذه الصفات، وكان مفعماً بعنفوان الشباب ومن دعاة التغيير الجذري في الحياة، وكان حامل رسالة مثالية تدعو إلى سيادة القيم والمبادئ الإنسانية العليا.. وفي دراسة كنعان لمثل هذه الصفات، فهو يؤكد عذوبة شعره وروعة إبداعه، لا سيما في المرحلة الحمدانية وفي باقة من القصائد الوجدانية التي يخلو بها إلى نفسه ويناجي ذاته، وأن ذلك ينفي عنه كل نزعة عدمية، ولقاؤه بسيف الدولة والصداقة الحميمة التي نشأت بينهما تؤكد ذلك، حيث رآه استثناء فريداً كعيد لا مثيل له، ليس في التاريخ العربي الإسلامي وحسب، وإنما بين البشر كافة:
فذا اليوم في الأيام مثلك في الورى
كما كنت فيهم أوحدا كان أوحدا.
هكذا، كانت قصائد المتنبي كما يؤكد علي كنعان تعبر عن تجربة إنسانية عميقة، ولا تخلو من قسوة، وهي مفعمة بالطموح والمغامرة، وتروي سيرته الوجدانية والفكرية بفنية عالية وبلاغة مؤثرة، كما تكشف لنا سعة ثقافته، وتقدم لمحات واقعية وتاريخية عن أهم الأحداث التي عاشها أو شهدها.
*الزمن وإشكالياته
يدرس علي كنعان، شواغل المتنبي وهمومه ويتوقف أمام نظرته إلى الزمن وموقفه من سلطة الدهر القاهرة وأحواله المريبة وأيامه الهاربة، وهي أبرز ما يلفت النظر في أول شعر وضعه في ديوانه؛ إذ يقول:
بأبي من وددته فافترقنا
وقضى الله بعد ذاك اجتماعا
فافترقنا حولا فلما التقينا
كان تسليمه عليّ وداعا.
وفي هذه القصيدة نكتشف فلسفة المتنبي في الحياة، وأنه كان حامل قضية إنسانية كبرى لا يمل من عرضها وتأكيدها، لكن الأعداء كثر والدهر يقف دائماً معهم، وهو لا يغفل ولا يتوانى عن خوض المواجهة بحزم وقوة، مسلحاً بجمال الصبر وقوة العزيمة، ويواصل التفكير والانشغال بالحرية والكرامة معاً، وينسج أفكاره بصيغ مختلفة في مطلع القصيدة التي يمدح فيها علي بن أحمد الإنطاكي.
*سنوات عجاف
يلقي علي كنعان في كتابه على فترة زمنية عاشها المتنبي يسميها بالسنوات العجاف، وهي فترة امتدت لنحو 16 عاماً شغف خلالها المتنبي بكثرة الأسفار في بلاد الشام، ورأى أن أكثرها لم يكن مريحاً ولا آمناً، فلقد تعرض المتنبي للسجن وتخطى تلك المحنة، وراح يطوف مختلف أرجاء البلاد، متنقلاً بين مدن شامية كثيرة، ولقد سار في دروب وعرة مرهقة، لا تخلو من أخطار، وطرق أبواباً شتى، والتقى أثرياء ومسؤولين ليسوا أهلا للمدح ولا يساوون بيتاً من شعره، وكانت هذه الأسفار المتلاحقة من أصعب المراحل التي مر بها وعانى خلالها ألواناً من الضيق والعوز والتماس الرجاء بنيل ما يرضيه من العيش الكريم، لكن بلا جدوى في غالب الأحيان؛ إذ كانت الخيبة والإعراض وتسلط الجهل، وضآلة وكثرة الحساد، تواجهه أينما ذهب، وبعد سنوات عجاف يؤكد علي كنعان، أن المتنبي حظي بشيء كافٍ من التكريم لدى الأسرة التنوخية اللاذقية، وبدر بن عمار في طبرية، في هذه الفترة يشير كنعان إلى أسمى جائزة نالها الشاعر وقدرها مئة دينار جاءت من الأمير أبي محمد الحسن بن طغج سنة 336 هجرية يوم مدحه في قصيدة «أنا لائمي إن كنت بين اللوائم» واتسمت القصيدة برقة مطلعها الغزلي؛ إذ شكلت تمهيداً جميلاً للوصول إلى المديح بالحكمة والدعوة إلى النضال والإقدام، على الرغم من سموم الأعداء الذين يسدون الطريق من دون طموحه وتطلعاته ويقول مطلعها:
حسان التثني ينقش الوشي مثله
إذا مسن في أجسامهن النواعم
ويبسمن عن در تقلدن مثله
كأن التراقي وشحت بالمباسم.
*في ظل سيف الدولة
يتوقف كنعان عند الفترة التي قضاها المتنبي في بلاط سيف الدولة الحمداني، وهي الفترة التي طرح خلالها كل أشكال الشكوى من ظروف حياته القاسية، وتخلى عن نزعة السخط في ظل أريحيته الغامرة، وكرس شعره لوصف معارك سيف الدولة وتمجيد بطولاته ومكارمه، ويقول: «إن ملامح التطور في تجربة أبي الطيب الشعرية تتجلى واضحة أكثر من أي حياة شاعر آخر، وقد بلغت ذروتها الوضاءة وبنيتها الفنية الجمالية المتميزة، ومن الواضح أن إكرام سيف الدولة للشاعر كان له الأثر النفسي في توفير أسباب راحته واستقراره».
ويشير كنعان إلى أول قصيدة مدح فيها سيف الدولة بعنوان «وفاؤكما كالربع» ويدرس خصائصها، حيث مثلت لوحة بيانية فنية تمتاز باختيار المفردات وامتياز السبك وجلال الإيقاع، حيث بذل المتنبي جهداً خاصاً في نسجها والاهتمام الشديد في صياغتها لتكون بمنزلة «أوراق الاعتماد التي يقدمها السفير الجديد» لدى قدومه إلى الأمير.
في هذه القصيدة كان المتنبي قد آثر الأناة، وأعد نفسه لهذه الخطوة المؤثرة في حياته.
*اقتباسات
*يسبغ المتنبي على ممدوحه ألواناً من الصفات المجيدة.
*يلامس المتنبي في بعض صوره المتخيلة حدود المستحيل.
*واجه سيف الدولة عدة فتن واضطرابات، كان يخمدها
بالشدة حيناً واللين والحكمة أحياناً.
*كان سيف الدولة يستمتع بجدال الشعراء
وتناحرهم وتناحرهم في مجلسه.
*ديوان المتنبي يكشف عن أن الشعر كان رسالته العبقرية.
*قصائد المتنبي تعبر عن تجربة إنسانية عميقة.
عادي
صدر في الشارقة
المتنبي.. الشاعر المتفرد
13 نوفمبر 2024
15:19 مساء
قراءة
5
دقائق
https://tinyurl.com/j8dyy64w