إعداد ـ محمد كمال
حكم بالسجن على أحد أفراد الحرس الوطني الجوي في الولايات المتحدة يلقي الضوء على تفاصيل واحدة من أكثر التسريبات ضرراً بالأمن القومي الأمريكي، كما يكشف عن كواليس هزت مجتمع المخابرات هناك، بالنظر إلى مدى السهولة والسرعة التي انتشرت بها الأسرار الحكومية الحساسة والسرية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تتعلق معظمها بالدعم العسكري لأوكرانيا والتحركات الروسية في ساحة المعركة.
جاك تيكسيرا، البالغ 22 عاماً، هو أحد الأفراد منخفضي الرتبة في الحرس الوطني الجوي في ولاية ماساتشوستس، تلقى حكماً من محكمة فيدرالية بالسجن 15 عاماً، بعد اتهامه بمشاركة سجلات حكومية سرية عبر منصة تواصل اجتماعي والمعروفة باسم «تسريبات ديسكورد»، في إشارة إلى المنصة المخصصة للألعاب الإلكترونية.
ـ ماذا حدث؟ ـ
وكان تيكسيرا متخصصاً في تكنولوجيا المعلومات في قاعدة جوية في كيب كود بولاية ماساتشوستس عندما قام بتهريب صور لمئات الوثائق السرية ونشرها على Discord، وهي منصة دردشة شائعة بين لاعبي الفيديو. وأكد ممثلو الادعاء أن هذه المواد كشفت عن تقييمات حكومية للحرب في أوكرانيا، ومؤامرة الجماعات الإرهابية، وجهود التجسس التي تقوم بها الصين ضد الولايات المتحدة وحلفائها، ما يعرض الموظفين الأمريكيين في الخارج للخطر، بينما يهدد علاقات واشنطن مع العديد من العواصم الأجنبية.
ومن بين ما كشف عنه الطيار تيكسيرا تفاصيل حول توريد المعدات إلى أوكرانيا، بما في ذلك كيفية نقلها واستخدامها. ونشر تقريراً عن تحركات القوات الروسية والأوكرانية، حيث قال مسؤولون أمريكيون إنها ربما تعرض للخطر الطريقة التي تجمع بها الولايات المتحدة المعلومات الاستخبارية.
ووصف المشاركون في مجموعة Discord تيكسيرا بأنه متحمس للأسلحة يتمتع بشخصية كاريزمية، وقام في البداية بنشر معلومات مفصلة حول الأحداث الجارية قبل مشاركة الوثائق السرية بنفسه. ومن خلال المنصة، شقت بعض المواد طريقها إلى منصات التواصل الاجتماعي الأكثر انتشاراً، ما أدى إلى إجراء تحقيق جنائي في إبريل 2023 ومراجعة منفصلة للقوات الجوية لتحديد كيفية حدوث مثل هذا التراجع المذهل في الأمن.
وتشير السجلات العسكرية إلى أن تيكسيرا تم تجنيده في سبتمبر 2019 وحصل على تصريحه الأمني في عام 2021. وفي غضون أشهر، في يناير 2022، بدأ في الكشف عن أسرار حكومية عبر الإنترنت، حسبما ذكرت السلطات. وقالوا إنه قبل وقت قصير من اعتقاله، حاول التستر على أفعاله، ودمر الأجهزة الإلكترونية، وحذف الحسابات على الإنترنت، وطلب من الأصدقاء عبر الإنترنت أن يفعلوا الشيء نفسه.
وشبه مساعد المدعي العام الأمريكي جاريد دولان تيكسيرا بإدوارد سنودن وتشيلسي مانينج وآخرين ممن سربوا أسراراً حكومية. وقال دولان إن تيكسيرا «أصبح يشكل تهديداً والضرر الذي سببه تاريخي»، حيث ساعد الخصوم وأضر بالعلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة.
وأضاف لاحقاً: «سلوكه وجرائمه لا مثيل لها من حيث اتساع وعمق ونوعية المعلومات». لكن محامي الطيار تيكسيرا، مايكل باشراش، قال إن حكم السجن يجب تخفيضه، لأنه يلحق ضرراً كبيراً بشخص صغير مثل موكله. وأضاف أن موكله يعاني مرض التوحد، مما ساهم في سوء اتخاذ القرار.
واعتذر الطيار عن التسريب واسع النطاق. وقال: «أنا آسف على كل الأذى الذي سببته وتسببت فيه.. أدرك أن كل المسؤولية والعواقب تقع على عاتقي وحدي»، وعندما غادر قاعة المحكمة، أومأ برأسه إلى عائلته وقال: «أراكم لاحقاً».
وتم القبض على الطيار تيكسيرا في منزل والدته في نورث دايتون بولاية ماساتشوستس في إبريل 2023. وهو محتجز من دون كفالة منذ ذلك الحين. وبعد أن دفع في البداية بأنه غير مذنب، غير مساره في مارس/آذار ووافق على الاعتراف بالذنب في ست تهم تتعلق بـ «الاحتفاظ المتعمد بمعلومات الدفاع الوطني ونقلها» بموجب قانون التجسس.
وجادل محامو تيكسيرا بأن أحد الخبراء شخصه بأنه مصاب بنوع من التوحد، وهي حالة قالوا إنها تسببت في اتخاذ قرارات سيئة، مثل مشاركة معلومات سرية عبر الإنترنت.
وقال المحامي باشراش إن موكله شارك تفاصيل حساسة مع أصدقائه عبر الإنترنت، لأنه لم يكن لديه مجتمع مماثل في العمل. ولم تؤثر الحجة في القاضي أو النيابة. وقال القاضي تلواني إن عدم قدرة الطيار على تكوين صداقات «لا يقلل من جريمة أخذ هذه المعلومات ووضعها على الإنترنت».
وادعى دولان أن تيكسيرا تصرف بمحض إرادته، مدركاً أنه كان ينشر معلومات سرية. ويضيف دولان: «لقد فهم المدعى عليه أن ما كان يفعله خطأ.. كان لديه القدرة على اتخاذ خيار مختلف».
ـ تسريب للتباهي ـ
ووفقاً لتحقيق أجرته صحيفة نيويورك تايمز في أكثر من 9500 من رسائله، كان الطيار تيكسيرا يركز بشكل خاص على الأسلحة وعمليات إطلاق النار الجماعية ونظريات المؤامرة. حيث أظهر بشكل روتيني ازدراء تجاه الحكومة، واتهمها بعدد من الأنشطة الشائنة، بما في ذلك تنظيم عمليات إطلاق النار الجماعية.
وقال ممثلو الادعاء إنهم لم يعثروا على أي دليل على تورط الطيار تيكسيرا في التجسس، ما يجعل قضيته مختلفة عن قضايا التجسس التقليدية. وقالوا إنه بدلاً من ذلك، قام بنشر المعلومات لتغذية غروره وإبهار أصدقاء مجهولين.
وقارنوا القضية بقضية سنودين وهو مهندس كمبيوتر سرق معلومات سرية وشاركها مع ويكيليكس. وحُكم عليه في فبراير/شباط الماضي بالسجن لمدة 40 عاماً. وقال دولان إن تصرفات تيكسيرا يجب أن تكون بمنزلة «قصة تحذيرية للرجال والنساء في الحكومة الأمريكية وحاملي التصاريح».
وألقت عائلة تيكسيرا ومحاموه باللوم على «الإهمال في العمل الذي أدى إلى وصوله لأسرار الحكومة الأكثر سرية، وافتقاره إلى الإشراف المناسب».
ـ إجراءات احترازية ـ
منذ اعتقال الطيار تيكسيرا، اتخذت وزارة الدفاع الأمريكية خطوات لمنع حدوث انتهاك مماثل في المستقبل، بما في ذلك تشديد الضوابط على من يمكنه الوصول إلى المعلومات السرية. وقال الميجور جنرال باتريك رايدر، السكرتير الصحفي للبنتاغون،: «الوزارة واثقة من أنه تم اتخاذ الخطوات المناسبة للتخفيف من التسريبات الإضافية».
وتم تعليق المهمة الاستخباراتية في قاعدة تيكسيرا لأكثر من عام، بينما كانت القوات الجوية تحقق في الأمر، واستؤنفت في مايو/أيار. ودفع التأخير الطويل بعض المسؤولين في ماساتشوستس إلى القلق من إمكانية إعادة تكليف المهمة بشكل دائم إلى مكان آخر.
وقال المسؤولون العسكريون إن أعضاء الخدمة المحتملين مطالبون بتقديم إفصاحات دقيقة وكاملة عن تاريخهم الطبي، بما في ذلك أي تشخيص لمرض التوحد، لتحديد أهليتهم للخدمة. وقال البيان إنه خلال تجنيده، لم يكشف تيكسيرا ولا والدته، من دون دوفولت، عن تشخيص إصابتهما بالتوحد، وهو ما يعد انتهاكًا للوائح التجنيد العسكري. ولا يؤدي تشخيص مرض التوحد إلى استبعاد الشخص تلقائياً من الانضمام إلى الجيش، ولكنه يتطلب تنازلاً طبياً.
ـ عقوبة مضاعفة ـ
وفي الأشهر المقبلة، تعتزم القوات الجوية محاكمة تيكسيرا عسكرياً في إجراءات منفصلة بعد أن زعم أنه عرقل العدالة وفشل في إطاعة الأوامر. وفي حالة إدانته فقد يتعرض تيكسيرا لتهمة مخلة بالشرف وتجريده من رتبته ومزاياه العسكرية.
وكجزء من الحكم، فإنه بعد إطلاق سراحه من السجن، سيتم منع تيكسيرا من شغل وظيفة تتيح له الوصول إلى معلومات حساسة. وقالت القاضية أيضاً إنها ستوصي بالسماح له بقضاء عقوبته بالقرب من منزل عائلته في بلدة دايتون بجنوب شرق ولاية ماساتشوستس.
وقال القائم بأعمال المدعي العام الأمريكي لمقاطعة ماساتشوستس، جوشوا ليفي، خلال مؤتمر صحفي بعد النطق بالحكم إن تيكسيرا «دفع ثمناً باهظاً للغاية مقابل القوانين التي انتهكها». بينما أكد المدعي العام أن «هذا الحكم يوضح مدى خطورة الالتزام بحماية أسرار بلادنا وسلامة الشعب الأمريكي».
وينهي الحكم قضية أثارت تساؤلات داخل مجتمع الأمن القومي الأمريكي حول مدى سهولة حصول فرد منخفض الرتبة نسبياً في الحرس على تصريح سري للغاية أتاح له الوصول إلى بعض الأسرار الأكثر حساسية في الولايات المتحدة.
عادي
بعد صدور الحكم.. «تسريبات تيكسيرا» تهز الاستخبارات الأمريكية
13 نوفمبر 2024
14:28 مساء
قراءة
5
دقائق
https://tinyurl.com/5y535a8f