مفتاح شعيب
مرة أخرى تستقطب الصين، التي تصعد بهدوء إلى ساحة المنافسة مع الولايات المتحدة على قيادة العالم، اهتمام المعنيين بالشؤون الدولية في ظل ما تشهده من تحولات وتقلبات حادة. ومع عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وشروعه في تعيين فريق إدارته، تلوح مؤشرات على صراع محتدم بين واشنطن وبكين، خصوصاً في قضايا التجارة والاقتصاد والاختراعات والتكنولوجيا الدقيقة.
قبل الانتخابات الأمريكية بوقت مبكر، وجّه الرئيس الصيني جي جين بينغ المسؤولين في بلاده بالتجهز لمرحلة دقيقة للدفاع عن مصالح البلاد ومشاريعها المستقبلية، وحث جيشه، الأكبر في العالم، على الاستعداد لمعارك حقيقية، بالتزامن مع تكثيف المناورات البحرية والجوية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، والكشف عن أسلحة حديثة منها مقاتلات شبحية متطورة ومشروع حاملة طائرات نووية، وتكثيف للتعاون والتنسيق العسكري والسياسي مع روسيا، إذ يعمل البلدان على تطوير علاقاتهما إلى درجة التحالف الذي يمتد ليشمل دولاً أخرى، مغضوباً عليها غربياً، مثل كوريا الشمالية وإيران، وهذه الدول مصنفة أمريكياً على أنها تهديد مباشر وصريح لمصالح واشنطن، وكذلك تعاملت معها إدارة جو بايدن الديمقراطية، وتستعد لها إدارة ترامب الجمهورية بفريق من المتشددين ممن يحملون أفكاراً مناوئة لأغلب هذه الدول، وخصوصاً الصين، التي تعرف إجماعاً أمريكياً غير مسبوق على أنها المنافس الاستراتيجي الوحيد القادر على إزاحة الولايات المتحدة من صدارة قيادة النظام الدولي.
قبل أكثر من قرنين من الزمان، قال الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت، الذي كانت بلاده آنذاك سيدة العالم، «الصين تنين نائم، لا توقظوه، لأنه عندما يستيقظ سيهتز العالم». ولم يكن تحذير نابليون نبوءة تستكشف الغيب، ولكنها نتاج فطنة سياسية ومعرفة واقعية بما تمتلكه تلك البلاد من قوة هائلة وحضارة نجحت لقرون في اصطناع العزلة واللامبالاة بما يدور حولها، وخصوصاً في العقود الأخيرة، التي شهدت طفرة صينية جريئة مكّنتها من امتلاك أسباب القوة وأدواتها. ومنذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي، وقبل سقوط الاتحاد السوفييتي، اقتنع الاستراتيجيون الأمريكيون بأن المعركة الكبرى التي ستواجهها بلادهم ستكون مع الصين، وحددوا لذلك تاريخاً افتراضياً لا يتجاوز عام 2020 الماضي، الذي شهد، وللمصادفة، انتشار فيروس «كورونا» من مدينة ووهان، وجاءت تلك الجائحة التي اجتاحت العالم وفرضت عليه عزلة إجبارية، في خضم منافسة حادة بين بكين وواشنطن، حيث كان ترامب سيد البيت الأبيض، واعتبر أن تلك الجائحة «الفيروس الصيني» هدفها ضرب الاقتصاديات المنافسة لبكين، وأهمها القوة الأمريكية.
عودة ترامب، ستسمح له بتجديد معاركه الداخلية والخارجية، ومع إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية تمنت بكين أن يسود التفاهم والحوار والنهج السلمي العلاقة بين القطبين المتنافسين، لكنها تجهزت للأسوأ وربما ستمضي في المواجهة إلى النهاية، خصوصاً في هذا الظرف العالمي، الذي يشهد ساحات قتال ساخنة ينغمس فيها حلفاء رئيسيون لبكين، مثل روسيا، التي تخوض معركة حاسمة في أوكرانيا وتحقق فيها مكاسب، وكلا الحليفين غير بعيد من الصراع الدائر في الشرق الأوسط، فهما منخرطان فيه بحجم الانخراط الأمريكي وإن ادّعيا غير ذلك، فما يجري ينسجم مع أهدافهما لإحداث تغيير في النظام الدولي القائم. وقد تكون هذه اللحظة السياسية مناسبة مثالية لتتحقق نبوءة نابليون ويستيقظ التنين الصيني ويحسم معاركه المعلقة مع خصومه وأكبرهم القوة الأمريكية.
[email protected]
https://tinyurl.com/bdzy9a8x