سالم عمر سالم *
في عالم يزدحم بالتحولات السريعة، حيث يطغى على حياتنا الحديثة صوتُ التقنية وتدفق المعلومات، تظل الثقافة حجر الزاوية في بناء المجتمعات وصياغة المستقبل، وفي هذا السياق، يبرز معرض الشارقة للكتاب ليس فقط كحدث ثقافي بل كرمز للتطور المستمر والطموح المستدام.
إن هذا المعرض، الذي يحتفل في هذا العام بمرور 43 عاماً على انطلاقته، يعدّ مثالاً حياً على التفاعل الإيجابي بين الكتاب والقراء، وبين الإبداع والمبدعين، وبين الحضارة والمستقبل، إذ لم يكن له أن يصل إلى ما هو عليه اليوم من تميز وإشعاع، لولا الرؤية الثاقبة لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، الذي جعل من الشارقة عاصمة للثقافة، وركيزة لحركة الكتاب والنشر في العالم العربي والعالمي، ليكون هذا المشروع الثقافي، الذي بدأه سموه، هو أكثر من مجرد حدث أدبي، إنه حلم تحول إلى واقع يُسطر بمداد من الإبداع.
فمن خلال دعم سموه الدائم وتوجيهاته الحكيمة، أصبح المعرض في طليعة الأحداث الثقافية الكبرى عالميا، ليكون منصة لا تقف عند حدود الكتاب والنشر، بل تتعداها لتكون ملتقى للثقافات، منصة للابتكار الفكري، ومعرضاً للفن والإبداع، وقد تحققت هذه الرؤية بفضل ما توفره الشارقة من مناخ ثقافي خصب، يزدهر فيه الكتاب، وتتناغم فيه المعارض، وتُنسج فيه الفرص للناشرين والكتّاب والجمهور على حد سواء.
ما يميز المعرض هو قدرته على استقطاب العديد من العارضين والناشرين من أرجاء العالم، فيفتح أمامهم آفاقاً جديدة للتعاون والنشر والتوزيع، وهذا الحضور الواسع ما هو إلا دليل على المكانة الثقافية الرفيعة للشارقة، وهو أيضاً تجسيد لرغبتها لكي تكون قبلة للمبدعين من جميع أنحاء العالم.
في كل عام، يشارك في المعرض مئات دور النشر، متوجهة إلى الشارقة التي باتت أرضاً خصبة للإلهام الثقافي والفكري. كما يوفر المعرض للمؤلفين مساحة لعرض مؤلفاتهم والتفاعل مع جمهور واسع من القراء والنقاد، ليكون ملتقى لآراء متعددة وأفكار متنوعة، ما يعزز مكانته كأهم منتدى ثقافي عالمي.
يعد المعرض أكثر من مجرد سوق للكتب، هو فضاء مفتوح يعكس حركة النشر في عصرنا، ويعد من أهم المنابر الثقافية، وأن ما يحققه من مشاركة واسعة ومتنوعة يعكس المكانة الرفيعة التي يحتلها في خريطة المعارض الدولية، حيث تتناغم فيه اللغات وتتبادل فيه الأفكار من شتى الأرجاء.
المعرض يعكس الصورة المضيئة للكتاب العربي في العصر الرقمي، حيث تمكنت الشارقة من دمج الحاضر والمستقبل في بوتقة واحدة، والمتتبع يجد أن الكتاب في الشارقة يتطور مع دخول التكنولوجيا الحديثة، والتقنيات الرقمية، وهذا يشير إلى استشراف الشارقة لمستقبل الكتاب والنشر، ليبقى الكتاب حياً، مهما اختلفت الوسائل التي يتم بها استهلاكه.