قراءات..

تقرأ «أُوكتافيو باث»، فتشعر بتلك الطاقة الماثلة في حركة الجريان. إنه، أيضاً، كما قال مترجمه إلى العربية حيدر الكعبي بحاجة إلى تأويل، لكن في قصيدته (حركة) لا يحتاج إلى أي تأويل، إنه مباشر، هنا في هذا النصّ الذي يشرح نفسه بنفسه..
يقول: «إذا كنتِ فرس العنبر، فأنا طريق الدم/.. إذا كنت أوّل الثلج، فأنا من يوقد مدفأة الفجر../.. إذا كنتِ برج الليل، فأنا المسمار المشتعل في واجهتك../.. إذا كنت فيضان الصبح../.. فأنا صيحة الطير الأول../.. إذا كنتِ سلّة البرتقال، فأنا سكين الشمس..»
يقول (أمبرتو ايكو) «إن كتاباً أختاره بعشوائية يجعلني راغباً في قراءة كتاب آخر»..
يحدث هذا فعلاً في القراءة. كتاب يأخذك إلى كتاب ثانٍ، وثالث. إنها عائلة الكتب ذات السلالة الواحدة، والدم الواحد
في كتاب (الطقوس) للباحث (باري ستيڤنسن) يبدو كل شيء حولنا (مطقسناً)، من طقوس، المحاكمة في قضية ما في قاعة محكمة شكل من أشكال الطقوس. حفلات التخرّج شكل آخر من الطقوس. الانتخابات البابوية طقس، الألعاب الأولمبية طقس، حفلات الأعراس، أوركسترا الموسيقى، المناولة في الكنيسة أو القربان المقدّس، تمارين التنفس... كلّها طقوس.
(باساراب نيكوليسكو) عالم فيزياء، لكن في داخله شاعر حركة، مثله مثل (أُوكتافيو باث).. يقول: «الحركة الكونية يمكن أن تُرى عبر نهرين متوازيين يجريان بقوة كبيرة في اتجاهات متعارضة عبر الأكوان كلها.. التقطّع هو تحديداً العبور من نهر إلى آخر..».
في داخل كل عالم، أو باحث في الكيمياء والرياضيات والفلك والطبيعة الجغرافية والمناخية والبيئية ستعثر عن شكل من أشكال الشعرية الموجزة المكثفة.
أحياناً، تقرأ مادة نقدية، تنظيرية إلى حدّ من حدود الجفاف. مادة اصطلاحية أو مادة مصطلحات شبه معقدة أو حتى معقدة، ولكنك إذا قمت بتفكيك هذه العقد، ستحصل أخيراً على خيط شعري ناعم وخفيف.
أعود من وقت إلى آخر إلى قراءة كتابين يأخذاني إلى كتابين آخرين أو أربعة كتب أخرى، هكذا في متوالية قرائية تشبه المتاهة، ولكنها المتاهة التي يخرج منها القارئ من دون حاجة إلى ذلك الخيط الذي يفضي إلى ذلك الخروج..
الكتابان هما: (داغستان بلدي)، و(مجنون إلسا)، ومن مجنون إلسا: «الله موجود في من ينكره»، «إن مستقبل الإنسان هو المرأة لا الملوك..»، «الحب أن نفقد العقل»، «من الثورات تنبثق الإمبراطوريات».
التقاطات صغيرة فيها شيء من الجريان والحركة مثلما الحال عند شعراء الأنهار.
النهر يعلّم الجريان، والبحر يعلّم الجلوس، وفي الحالين الماء ثم الماء.. «أقدم مرهم في العالم»، كما قال أحد الحكماء.
[email protected]