سائرين في الممر الرئيسي لمعرض الكتاب الدولي للشارقة في اتجاه «رواق المغرب» في المعرض، أنا والصديق الشاعر علي العامري، مدير تحرير مجلة «الناشر الأسبوعي»، ونحن نتحدث عن دلالة اختيار المغرب ضيف شرف للمعرض في دورته الحالية، قال علي، ما معناه، إن المغرب نجح في ألا يسجن تراثه الثري، ثقافياً ومعمارياً، في المتاحف، وإنما جعله حاضراً في الحياة. وافقتُ الصديق علي فيما قال، لأنّ كل من زار المغرب سيرى بعينيه ويبصر بروحه أن ذلك حقيقي.
من منّا لا يذكر التعبير الشهير الذي تعلمناه منذ الصغر، ونحن نتحدث عن وحدة عالمنا العربي، لغةً وثقافةً وتاريخاً: «من المحيط إلى الخليج». ها نحن اليوم أمام التقاء المحيط والخليج في الشارقة في تظاهرة ثقافية تتضمن سلسلة من النشاطات والفعاليات، وبحضور رموز بارزة في الأدب والثقافة المغربيين. تظاهرة تضيف الكثير إلى جسر التفاعل بين مغرب الثقافة العربية ومشرقها، وهو تفاعل برزت تجلياته في العقد أو العقدين الماضيين بصورة أوضح، مع اتساع حركة النشر، التي يسرّت لنا التعرف بصورة أفضل إلى المنتج الثقافي والأدبي والفني في المغرب بما هو عليه من ثراء وتنوع، فقرأنا فكر عبدالله العروي ومحمد عابد الجابري وعبدالفتاح كليطو وعبدالسلام بنعبد العالي وسواهم من مفكري المغرب، وقرأنا نقد سعيد يقطين وسعيد بنكراد وسواهما، وفي الأدب قرأنا روايات محمد شكري وسواه، وشعر عبداللطيف اللعبي وسواه، حيث كان لمفكري المغرب وأدبائها مساهمة كبيرة في تطوير وتعميق محتوى الفكر والأدب العربيين عامة.
من قرأ لكتّاب وأدباء المغرب ومن زار بلادهم، سيلمس ثراء ينابيع التكوين الثقافي لهذا البلد الشقيق، الذي حافظ أكثر من سواه على التراث الأندلسي، أدباً وفناً ومعماراً، خاصة أن جزءاً ليس بقليل من أبناء المغرب، خاصة في شماله، يتحدرون من الأندلس بعد التهجير القسري لأسلافهم، إثر سقوط الحكم العربي هناك، وهذا التراث أصبح مكوّناً مهماً في الشخصية والثقافة المغربيتين.
إضافة إلى الحضور القوي للثقافة العربية – الإسلامية في التكوين المغربي، وفي المغرب العربي الكبير عامة، يحضر تأثير العنصر الأمازيغي في هذا التكوين، حيث نشأ مع مجيء الإسلام، بلغته العربية إلى المغرب، نسيج فريد من نوعه قائم على التأثر والتأثير المتبادلين بين ما هو عربي وما هو أمازيغي، في بناء شخصية مغربية جامعة بين المكونين، لعلها تشكل ما يمكن أن نعدّه خصوصية مغربية.
ثمة جانب ثالث في الموضوع، يتمثل في عمق المثاقفة المغربية مع الثقافة الفرانكفونية، التي مكّنت مفكري المغرب وأدباءه من الاطلاع على جديد الفكر والأدب في فرنسا خاصة، وتوظيف ذلك في إغناء الثقافة العربية، بما هو جديد كونيّاً.
[email protected]
https://tinyurl.com/2wx9ymza