عادي
الإدارة الواعية تمنع المضاعفات

إهمال السكري.. بداية رحلة مُرّة

23:08 مساء
قراءة 5 دقائق

تحقيق: راندا جرجس

يُشكل إهمال داء السكري حدوث عواقب وخيمة، نتيجة عجز البنكرياس عن إنتاج الأنسولين بكمية كافية، أو عدم إمكانية استخدامه، حيث ترتفع مستويات الجلوكوز أو السكر في الدم عن المعدل الطبيعي، ولذلك فإنه يصنف من المشكلات المرضية المزمنة التي تؤثر في الوظائف الحيوية وأعضاء الجسم، وقد أصبح أحد الأسباب الرئيسية للوفاة في العالم، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، كونه يؤدي مع مرور الوقت، إلى تلف خطر في القلب، والأوعية الدموية، والعينين، والكلى، والأعصاب.
في هذه السطور يستعرض الخبراء والاختصاصيون بعض المضاعفات وكيفية تجنبها.
يقول د. بريان متميريروا، استشاري الغدد الصماء والطب الباطني: إن «القلب هو أهم الأعضاء المعرضة للخطر من داء السكري على المدى الطويل، وأحد الأسباب الرئيسية للوفاة، حيث يزيد المرض غير المنضبط من المضاعفات عن طريق تسريع الضرر، وتراكم اللويحات داخل الشرايين الصغيرة المؤدية إلى عضلة القلب، ما يؤدي إلى صعوبة تدفق الدم وتصلب الشرايين والنوبات القلبية». 

الصورة
1


ويضيف: «يتسبب داء السكري غير المنضبط في تدمير الأوعية الدموية داخل الكلى أيضاً، ويؤدي تضيق الشرايين إلى زيادة ضغط الترشيح، وبالتالي تسرب تدريجي للبروتين إلى البول ما يزيد من تدهور وظيفة الكلى، ويُعرف باسم «اعتلال الكلية السكري»، ويعد المرض هو أحد الأسباب الرئيسية للإصابة ب«الداء الكلوي في المرحلة النهائية»، ما يستلزم غسيلها أو زراعة أخرى».
زيادة الكوليسترول
يذكر د. متميريروا أن مستويات السكر المرتفعة تتسبب في زيادة الكوليسترول، وبالتالي تراكم الدهون في خلايا الكبد والإضرار ببنية خلايا الكبد ووظيفته، والإصابة بالتهاب وتندب، ما قد يؤدي إلى تليف الكبد مع مرور الوقت، وتعد العدوى المتكررة الناجمة عن ضعف المناعة من المضاعفات الأخرى لسوء الرعاية بمرض السكري، وفي بعض الحالات تكون مُهددة للحياة، ويحتاج المصابون بها إلى أيام في وحدات العناية المركزة، وتشمل العدوى الشائعة التهاب النسيج الخلوي، والخراجات المتكررة والتهابات المسالك البولية.
ارتفاع مزمن
يوضح د. محمد صلاح، أخصائي الأمراض العصبية، أن «اعتلال الأعصاب السكري يُعد أحد المضاعفات شيوعاً، ويحدث نتيجة ارتفاع مستويات السكر في الدم بشكل مزمن لدى المرضى، ما يؤدي إلى تلف الألياف العصبية الحساسة، ويؤثر في الأعصاب في أنحاء الجسم، وخصوصاً في الساقين والقدمين، ويشمل أعراضاً، مثل الخدر والوخز والإحساس بالحرقان والألم الحاد».
ويضيف: «يؤثر اعتلال الأعصاب اللاإرادي على وظائف الجسم في بعض الحالات، ما يؤدي إلى حدوث مشاكل في الجهاز الهضمي، والمثانة، واضطرابات في معدل ضربات القلب، ويسبب اعتلال الأعصاب البؤري إلى ضعف العضلات أو الألم المفاجئ في مناطق معينة، مثل الوجه أو الجذع، وغالباً ما تتطور الأعراض تدريجياً وتزداد سوءاً بمرور الوقت».
فحص عصبي
يوضح د. صلاح، أن «تشخيص اعتلال الأعصاب السكري يتم عن طريق الاطلاع على التاريخ الطبي والفحص السريري، وإجراء فحص عصبي، والحساسية للمس، وقوة العضلات، وربما تشمل الاختبارات الإضافية دراسات التوصيل العصبي، وتخطيط كهربية العضلات، واختبارات خيط أحادي لتقييم وظيفة العصب، ويمكن إجراء اختبارات الدم لاستبعاد الحالات الأخرى التي تسبب أعراضاً مماثلة».
ويلفت إلى أن «المضاعفات تكون شديدة وخاصة عندما تؤثر في القدمين، ويزيد الخدر وفقدان الإحساس من خطر الإصابات والالتهابات والقرح، وفي الحالات القصوى، يمكن أن تؤدي الالتهابات غير المعالجة إلى الغرغرينا، ما يستلزم البتر، ويسبب الاعتلال العصبي اللاإرادي مشاكل في الجهاز الهضمي، وعدم انتظام ضربات القلب، وفقدان السيطرة على المثانة، ما يؤثر في نوعية الحياة، ويعتمد العلاج على إدارة الحالة والسيطرة على تفاقم الأعراض، ويسهم العلاج الطبيعي في تحسين الحركة والقوة، مع ضرورة التزام تعديلات نمط الحياة الصحي».
القدم السكرية
يذكر د. أرون مينون، استشاري الغدد الصماء، أن «القدم السكرية أحد المضاعفات التي تتطور لدى مرضى السكري، نتيجة سوء التحكم في مستويات السكر في الدم، وتلف الأعصاب، وضعف الدورة الدموية، والالتهابات، والعدوى الناجمة عن الإصابات الصغيرة، مثل الجروح أو البثور أو مسامير القدم».
وأضاف أن «الأعراض تشمل التنميل، الوخز، وفقدان الإحساس في المنطقة المصابة، ما يؤدي إلى ضعف الدورة الدموية، وبرودة القدمين، وقروح بطيئة الشفاء، وألم في ربلة الساق أثناء المشي، ثم الغرغرينا لاحقاً، ويتم التشخيص عن طريق الاطلاع على تاريخ المريض الصحي، ويعد الكشف السريري حجر الزاوية في تقييم الحالة، وتسهم اختبارات الدم ومزارع الجروح والأشعة السينية واختبارات الأوعية الدموية في تحديد المضاعفات، مثل العدوى أو التهاب العظم والنقي أو أمراض الشرايين الطرفية».
إدارة دقيقة
يلفت د. مينون إلى أن علاج القدم السكرية متعدد الأوجه يتطلب إدارة دقيقة للتحكم في نسبة السكر في الدم والعدوى والأوعية الدموية والاعتلال العصبي، بالإضافة إلى التدابير الوقائية وتثقيف المريض للحد من المضاعفات، مثل عمليات البتر وتعزيز صحة القدم على المدى الطويل، كما يجب تطبيق العناية السليمة بالقدم، عن طريق الفحص المنتظم، واستخدام الأحذية المناسبة، والحفاظ على القدمين نظيفة وجافة، وقص الأظافر، والانتباه إلى زيادة الوزن كونها تضع ضغطاً إضافياً على القدم، ما يسهم في التشوهات والنسيج والقروح، تجنب التدخين ومنع تطور أمراض الشرايين الطرفية.
فقدان الرؤية 
تؤكد د. ساشوانثي موهان، أخصائية طب العيون، أن «عدم ضبط مستويات السكر في الدم يُلحق الضرر بالأوعية الدموية في شبكية العين، ويتسبب في المراحل الباكرة باضطرابات خفيفة في الرؤية، وتزيد المضاعفات مع تطوره، وينجم عنه ارتشاح الشبكية، وتراكم السائل الزائد في بقعة العين، ما يؤدي إلى فقدان الرؤية المركزية، ونمو الأوعية الدموية غير الطبيعية في الشبكية وبالتالي حدوث نزيف زجاجي، وانفصال الشبكية، أو ارتفاع ضغط العين (الزرق)، وضعف البصر وفقدان كلي للبصر إذا لم تُعالج المشكلة بشكل فوري». 
وتشير د. ساشوانثي موهان إلى أن «تقنيات التصوير المتطورة لقاع العين والأوعية، والتصوير المقطعي للترابط البصري، والتصوير الوعائي، تلعب دوراً محورياً في الكشف المبكر والمراقبة المتواصلة والتقييم الدقيق لاعتلال الشبكية السكري، وتشتمل خيارات العلاج على استراتيجيات متنوعة من بينها: العلاج بالليزر، الذي يمنع تسرب الأوعية الدموية وخفض حجمها، والحقن ضمن الجسم الزجاجي للعين، ووصف مضادات أو استيرويدات عامل نمو بطانة الأوعية الدموية، وفي المراحل الأكثر تقدماً يكون إجراء عملية استئصال الزجاجية خياراً مطروحاً للوقاية من المخاطر».

الحياة الصحية أساس الوقاية

تتطلب إدارة داء السكري من النوع الثاني، اتباع نهج صحي شامل يتضمن رقابة صارمة للحماية من المضاعفات التي تنجم عن الإهمال في السيطرة على الأعراض، وأهمها الحمية الغذائية المتوازنة، لإدارة الوزن الزائد، حيث يتعين على المريض تناول أطعمة تحتوي على نسبة منخفضة من السكريات المضافة والدهون المشبعة، والإكثار من تناول الفواكه والخضار والحبوب الكاملة والفاصولياء والمكسرات، واستخدام زيت الزيتون البكر الممتاز بديلاً عن الزبدة أو الزيوت الأخرى، والحد من تناول منتجات الألبان واللحوم الحمراء، والحلويات والسكريات المضافة والصوديوم (الملح) والأطعمة المصنعة.

ينصح الخبراء المرضى بزيادة معدل الاستهلاك المنتظم للألياف، لموازنة مستويات السكر الإجمالية في الدم، كما ينبغي اختيار كربوهيدرات مغذية في كل وجبة ومحاولة مزجها مع دهون وبروتين، ومن بينها معكرونة القمح الكامل والأرز الأسمر وخبز القمح الكامل والشوفان والفواكه، ويمكن أن تكون هذه الوجبات مصحوبة ببروتينات خالية من الدهون، مثل صدر الدجاج والسمك (مع السلمون والسردين)، باعتبارها أفضل خيارات للبروتين وأحماض الأوميغا

تلعب أيضاً بعض الممارسات الصحية الأخرى دوراً مهماً في الحد من مضاعفات داء السكري، ومنها التمارين الرياضية، وتناول الأدوية، والإقلاع عن التدخين للحدّ من الضرر، فضلاً عن التحكم المنهجي بالظروف الصحية المصاحبة، مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، والفحوص المنتظمة والمراقبة المستمرة لحماية أجهزة الجسم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/7jnsuhyj

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"