الإمارات ومجموعة العشرين

00:03 صباحا
قراءة 4 دقائق

محمد خليفة

تتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة بخطوات ثابتة نحو ريادة المنطقة، من خلال ما تقوم به من مشاركة في صياغة مستقبل العالم على قدم المساواة مع الدول الكبرى المؤثّرة في مختلف القارات، فبعد أن أصبحت دولة الإمارات جزءاً من مجموعة «بريكس» التي تمثل القوى الدولية الجديدة الصاعدة، فإنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الحصول على عضوية «مجموعة العشرين» التي تمثل أكبر الاقتصادات في العالم.
لقد دعيت دولة الإمارات للمشاركة بصفتها ضيفاً في قمة المجموعة التي انعقدت في بالي في جمهورية إندونيسيا، كما حضرت بصفتها ضيفاً في قمة المجموعة التي انعقدت في نيودلهي في جمهورية الهند، العام الماضي، وقد دعيت دولة الإمارات، للمشاركة بصفتها ضيفاً في قمة المجموعة في ريو دي جانيرو في جمهورية البرازيل، يوم الاثنين الماضي. ونيابة عن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حضر سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، أعمال قمة مجموعة العشرين في نسختها التاسعة عشرة، في مدينة ريو دي جانيرو وبحث مع لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، رئيس جمهورية البرازيل، سُبل مواصلة توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين في مختلف القطاعات ذات الاهتمام المشترك.
وعلى هامش تلك الزيارة، تم توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والشراكات الاستراتيجية بين مؤسسات وشركات إماراتية وبرازيلية في مختلف المجالات الحيوية. وقد انعقدت أعمال القمة في البرازيل تحت شعار «بناء عالم عادل وكوكب مستدام»، وقد حددت الرئاسة البرازيلية أولويات المجموعة، والمتمثلة في تطوير منظومة الحوكمة العالمية، وخاصة لصندوق النقد والبنك الدوليين، ولمنظمة التجارة العالمية.
وقد سعى الرئيس البرازيلي لولا، إلى تسويق مبادرته المتعلقة بمكافحة الجوع، هذه المبادرة التي تدعمها اللجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والتي تهدف إلى إقامة حوار دولي حاسم حول تنفيذ وتوزيع العائدات المحصلة بشكل عادل، إضافة إلى جهد دولي منسق لمعالجة التحديات البنيوية التي تؤثر في الملايين في قارة أمريكا الجنوبية والعالم.
وقد انضمت إلى تلك المبادرة إحدى وثمانين دولة، من بينها دولة الإمارات العربية المتحدة، وأشاد ولي عهد أبوظبي، بتشكيل التحالف العالمي ضد الجوع والفقر، وذلك في كلمة ألقاها في القمة وقال، إن دولة الإمارات، ستخصص مئة مليون دولار للمبادرة من خلال وكالة الإمارات للإغاثة. كما أكد سموه أن هذه المبادرة تمثل «خطوة إلى الأمام في صياغة السياسات العالمية التي توفر حلولاً وموارد مستدامة».
وقد مثلت هذه القمة منصة حاسمة لأمريكا اللاتينية التي لا تزال ترى نفسها مهمشة في صنع القرارات التي تهم مستقبل العالم، لا سيما في الجانب الاقتصادي، وإن كانت قد بدأت تنهض من وسط الإخفاقات الكثيرة التي منيت بها في السابق.
إن مجموعة العشرين التي تضم طيفاً واسعاً من الاقتصادات الناشئة في مختلف قارات العالم، يمكن لها أن ترسم ملامح لعالم جديد لا تكون فيه الغلبة لقوى معينة، بل يكون العالم بخيراته متاحاً لمختلف الدول وفق قوانين صارمة تتحرى العدل في توزيع الثروات وتمنع التربح على حساب الشعوب الضعيفة. ولا شك أن تعزيز التعاون بين الاقتصادات الناشئة هو أمر بالغ الأهمية، لأن الدول النامية لا يمكنها أن تتوقع الكثير من الولايات المتحدة، ومن القوى الغربية الأخرى ذات الماضي الاستعماري، والتي لم تعطِ إلا الفتات للشعوب الفقيرة، وإذا أعطتها الكثير، فإن ذلك يكون ضمن قروض بفوائد كبيرة. والبرازيل، اليوم، هي قطب عالمي جديد، وقد عانت كثيراً في العقود الماضية جراء التدخلات الغربية في شؤونها الداخلية، لكنها تمكنت أخيراً من تحقيق الاستقلال الكامل، وانضواؤها ضمن مجموعة «بريكس» يمثل دلالة قاطعة على أنها باتت قطباً حقيقياً في قارة أمريكا اللاتينية، وهي بإمكانياتها الكبيرة يمكن لها أن تدفع بمسيرة التنمية الدولية، من أجل تخطي الأزمات الراهنة، لا سيما أن شبح الفقر عاد ليخيّم من جديد على العالم، من جراء جائحة «كورونا» والصراعات التي تدور رحاها في بعض المناطق، لا سيما في أوكرانيا والمنطقة العربية.
إن الانقسام الذي شهدته قمتا المجموعة في بالي ونيودلهي في العامين السابقين بخصوص أوكرانيا، يتكرر اليوم في قمة ريو دي جانيرو، بل إن اختلاف وجهات النظر الدولية تجاه ما يجري من عنف في المنطقة العربية، هو أيضاً من المثالب التي لا يمكن لأية قمة دولية أن تتخلص منها. فهذه الصراعات لا يمكن لمثل هذه القمم أن تعطي رأياً فيها، بل المرجع الأساسي لها هو مجلس الأمن الدولي. وهذا المجلس لا يخضع للحوكمة ولا يمكن التحكم في قراراته من قبل أية جهة دولية أخرى.
لكن على الرغم من كل ما يمكن أن يعتري قمة العشرين في ريودي جانيرو من إخفاقات بخصوص القضايا السياسية الساخنة، فإن انعقاد القمة في موعدها يدل على رغبة حقيقية لدى الدول الفاعلة في متابعة مسيرة التطوير العالمية وفق الخطط المعدة لها وهذا أمر تستحق الثناء عليه كل الدول الأعضاء والدول المشاركة في هذه القمة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3jfn7z5b

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"