تتدحرج الكارثة المتجددة التي يعيشها النازحون في قطاع غزة بسرعة فائقة، لتتحول إلى مأساة إنسانية مروعة، مع دخول فصل الشتاء، وعدم الاستجابة لتلبية الاحتياجات الأساسية لمئات الآلاف من هؤلاء النازحين، جراء الرفض الإسرائيلي، وغياب أي ضغط دولي حقيقي، لإجبار إسرائيل على السماح بتأمين ولو الحد الأدنى من هذه الاحتياجات.
بوادر هذه الأزمة الإنسانية المتجددة، أطلت برأسها مع غرق وجرف آلاف خيام النازحين، التي تضم مئات العائلات، جراء الأمطار الغزيرة وارتفاع منسوب مياه البحر، وهو الأمر الذي بات يهدد أكثر من نصف مليون نازح، وفق «الأونروا»، بالبقاء في العراء بلا مأوى ولا غذاء ولا دواء، أو حتى ملابس، تقيهم البرد القارس وتمنع عنهم الأمراض والأوبئة المعدية، ما يضع مجرد بقاء هؤلاء النازحين على قيد الحياة، أمام اختبار حقيقي.
وما يفاقم من محنة هؤلاء النازحين الذين أجبروا بالقوة على ترك منازلهم، أو دمرت منازلهم فوق رؤوسهم، أن إسرائيل تمنع المنظمات الإغاثية والإنسانية من تقديم العون لهم، وترفض إدخال نحو 250 ألف خيمة وكرفان (منزل متنقل) لإيواء المشردين، الذين لا يملكون حولاً ولا قوة، لا لشيء إلا لأنها تريد تدفيعهم ثمن بقائهم على أرضهم، ورفضهم الانصياع لمخططات التهجير من ديارهم.
فما يحدث الآن هو استكمال لحرب الإبادة والتجويع التي تشن عليهم، تحت نظر العالم المتحضر وسمعه، لإجبارهم على الرضوخ والاستسلام لليأس، ووضعهم أمام خيارين، إما القبول بمخططات التهجير، وإما الموت، فمن لم يمت بالسيف مات بغيره، ومن لم يمت بالقصف والتفجير يمكن أن يموت بوسائل أخرى، فيما المجتمع الدولي يثبت عجزه مرة تلو الأخرى، عن مد يد المساعدة.
ولعل قادم الأيام ينذر بما هو أسوأ، فمع ازدياد هطول الأمطار وتردي حالة الطقس، وعدم توافر الخدمات، ونظراً لهشاشة البنية التحتية، إن بقي هناك بنى تحتية، ثمة توقعات باختلاط مياه الأمطار بمياه المجاري، وهو ما يعني مفاقمة معاناة، ليس فقط نصف مليون نازح، وإنما كل سكان قطاع غزة، الذين يفتقدون كل مقومات الحياة، من الغذاء والدواء ومياه الشرب، ناهيك عن انتشار الأمراض والأوبئة المعدية.
ويصبح المشهد أكثر تعقيداً مع استمرار المجازر اليومية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في شمال القطاع، لدفع من تبقى منهم إلى النزوح، في إطار ما يسمى «خطة الجنرالات»، وخلق حالة من الاكتظاظ الشديد في مخيمات النزوح ومراكز الإيواء، ناهيك عن ملاحقة هؤلاء النازحين في تلك المناطق، بهدف تعميق حجم الكارثة، وبقائها مفتوحة على كل الاحتمالات.
وفوق ذلك كله، فإن المنع الممنهج لإدخال المساعدات الإنسانية، وتعميق كارثة المجاعة، في ظل ضعف الاستجابة الدولية، هو ما يرسم المشهد الأخير لحجم الكارثة التي يعيشها قطاع غزة. وبالتالي فإن ما يحدث هو أكبر من مأساة.. إنه قتل متعمد للحياة البشرية في وضح النهار.
https://tinyurl.com/mw3rab93