خواطر في دروس جغرافيّة قاسية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

كيف يجب أن يكون إبداء الاحترام لأساتذة التعليم غير المباشر؟ مبدئيّاً، دع: «قم للمعلم وفّهِ التبجيلا» جانباً، ريثما نبتُّ في شأن ما يستحقه أولئك. لكن، من الإنصاف الانطلاق من الطرح الموضوعي. المسألة بسيطة، موازنة بين المناهج العربية في الجغرافيا، وبين مناهج التعليم غير المباشر.
لا يُخفي عليك أحد سرّاً، فالعيب الأدهى في مناهجهم هم هو العنف المفرط والقسوة الجهنمية في أساليب التدريس. لا ينصرفن ذهنك إلى أنهم يبالغون في إكراه الناس على الحفظ عن ظهر قلب، كعادة التربية القديمة في كتاتيب الكتاكيت والمدارس البالية الدارسة.
لا يحتاج الظلام إلى دليل، فالمناهج العربية لم تبذل في تدريس جغرافيا العالميْن العربي والإسلامي، إضافةً إلى أوروبا وإفريقيا ومناطق آسيوية شتى، ولا حتى واحداً من الألف من الموسوعات الجغرافية التي قضت في تدريسها سنين وعقوداً، بلداً بلداً، محافظةً محافظةً، بلدةً بلدةً، داراً داراً، زنقةً زنقةً.
ماذا عن العالم الإسلامي ودوله الخمس والثلاثين غير العربية، في مناهج العرب؟ هل كان عربي سيعلم أين تقع تورا بورا، التي صارت تُرى بوراً، ومزار شريف، وقندهار، زابل،غزنه، ساري بول... لولا دروس عشرين سنة، على أيدي قامات العلوم وهامات المعارف البنتاغونيّة، وكل علّامة من حلف شمال الأطلسي؟ هل أهمل مقرَّر الجغرافيا في مناهجهم قريةً أو ناحيةً أو قصبةً أو وادياً ذا زرع أو غير ذي زرع، في العراق وسوريا وليبيا وفلسطين ولبنان. أنّى لأيّ عربي أن يسمع بصقعٍ ناءٍ وأهله الروهينجا، لولا واسع علم الأساتذة، الذين عِصِيّهم القاذفات القاصفات، والأباطيل التي تجرّ الأساطيل، والرّحى التي لا تعرف في الطحن ليلاً من ضحى؟
لك أن تقول للمعترض: فيمَ الاعتراض والامتعاض؟ الجغرافيا لعبة كيمياء، مثلما قال الكيميائيّ الفرنسي لافوازييه: «لا شيء يخلق من جديد، لا شيء يضيع، كل شيء يتحوّل». الجغرافيا لا أحد يأخذ منها شطيرةً أو فطيرةً فيلتهمها فتندثر. أمّا إذا رمت البحث عمّا فات العرب إدراكه فالقضية مختلفة. لقد قسا الشاعر بذكر الحماقة، فالجرعة المناسبة: «لكل شيء دواءٌ يُستطبُّ به.. إلّا السذاجةَ أعيت من يُداويها». أحياناً تظهر تلك الأعراض على الأمة بكاملها، فتتوهم أن منوعات الفضائيات عن موائد رمضان، في الدول الإسلامية، تتجلى فيها روائع آيات الأواصر الإسلامية، فتنتشي.
لزوم ما يلزم: النتيجة العجبية: قبل أكثر من ألف سنة، كانت العلاقات بين طنجة وجاكرتا، وبغداد وسمرقند، «فركة كعب»، اليوم، مع الطائرات والشبكة باتت سنة ضوئيّة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/94at24kk

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"