تخدير العقل

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

نبقى اليوم أيضاً عند كلمة العام المنقضي، لنقف أمام ما أعلنته دار نشر جامعة أكسفورد عن حصول كلمة Brain Rot، ومعناها باللغة العربية «تعفن الدماغ»، على لقب كلمة عام 2024، وهي المفردة التي تشير إلى وصف تأثير التصفح المتواصل للمحتوى الذي يخدّر العقل على منصات التواصل الاجتماعي.
حسب التقليد المتبع يجري التصويت على عدة مفردات، ليجري، في نتيجته، اختيار المفردة التي تنال النسبة الأعلى من الأصوات، لتكون كلمة العام المعنيّ، كعامنا الذي ولجنا شهره الأخير، وصوّت أكثر من 37 ألف شخص، إلكترونياً، على اختيار الكلمة الفائزة من بين ست كلمات وصلت إلى اللائحة القصيرة التي أعدتها دار النشر المذكورة، بغية الوقوف عند المزاج السائد وسط قطاعات الرأي العام.
«تعفن الدماغ» عبارة تبدو غريبة بعض الشيء، أو غير معتادة الاستخدام في لغتنا العربية، ويقصد بها، وفق التقرير الذي أورد خبر اختيارها كلمة للعام، «التدهور المفترض للحالة العقلية أو الفكرية للشخص، نتيجة الإفراط في استهلاك المواد، خصوصاً المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي التي تعتبر تافهة أو غير صعبة».
وسنكون مخطئين إن اعتقدنا أن هذا المصطلح وليد اليوم، أو أنه آتٍ من سطوة وسائل الإعلام وما يبث على الكثير منها من مواد تافهة، وربما سوقية في الكثير من الحالات؛ لأننا سنقرأ أن أول من استخدم هذا المصطلح، أو فلنقل اجترحه، هو الكاتب هنري ديفيد ثورو في نص «والدن» الذي يعود إلى القرن التاسع عشر، وبالتحديد إلى عام 1854، لكنه «اكتسب شهرة جديدة عام 2024 بكونه مصطلحاً يستخدم للتعبير عن المخاوف بشأن تأثير استهلاك كميات مفرطة من المحتوى الرديء عبر الإنترنت، وخاصةً على منصات التواصل الاجتماعي».
ينبهنا هذا إلى الحضور الطاغي، والذي سيزداد ويتضاعف في المستقبل للعالم الافتراضي في حياة البشر، الذي يجعلنا في حيرة من أمرنا، حول إلى أيّ العالمَين نحن اليوم أقرب، أَإلى ما هو افتراضي، أم إلى ما هو فعلي؟ وربما طرح السؤال عن مدى وجاهة اعتبار الافتراضي افتراضياً، بالنظر إلى حضوره الكبير في حياتنا الفعلية، كأنّ الواقعي بات افتراضياً إلى حدٍّ كبير، والافتراضي بات، هو الآخر، فعلياً إلى حدٍّ كبير، ليس فقط لأننا ننجز الكثير من مهامنا اليومية عبره، وإنما أيضاً للوقت الكبير الذي ننفقه في «العيش» فيه يومياً.
نافست عبارة «تعفن الدماغ» للفوز بلقب «كلمة العام» خمس كلمات أخرى تأهلت للائحة القصيرة بينها مفردة: «رزين» التي انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي، الصيف الماضي، للإشارة إلى سلوك متحفظ أو مسؤول، ومفردة Slop «سلوب» التي تشير إلى المحتوى الرديء على منصات التواصل الاجتماعي الذي أنشئ باستخدام الذكاء الاصطناعي.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4663hxp4

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"