«فن» قابل للأكل

01:56 صباحا
قراءة دقيقتين

بدا أمراً باعثاً على السخرية للكثيرين، وأنا منهم، الخبر الذي جرى تداوله مؤخراً عن بيع ما وصفت بأنها لوحة أو عمل فني بمبلغ خيالي تجاوز 6.2 مليون دولار أمريكي، ولم يكن هذا العمل الذي وصفه الكثيرون بالاستفزازي أكثر من موزة مثبتة على الجدار بشريط لاصق، قال عنها العارضون - البائعون إنها «إبداع صالح للأكل». لا تتجاوز فكرة العمل أكثر من قيام صاحبها «الفنان» التشكيلي الإيطالي ماوريتسيو كاتيلان باختيار موزة «حقيقية وطازجة»، قابلة للتلف كأي فاكهة عادية، ولصقها بالشريط على الجدار، ليتولى رجل أعمال صيني في مجال العملات المشفرة، اسمه جاستن صن، شراءها من معرض آرت بازل في ميامي بيتش بهذا المبلغ الخيالي.
سنفهم أنها ليست المرة الأولى التي يعرض في المزاد عمل مثل هذا، فقد سبق أن عرض عمل مشابه تماماً عام 2019 في ميامي، حيث عمد فنان آخر، استفزّه الأمر، إلى التهام الموزة بهدف التنديد بسعر العمل الذي كان يبلغ 120 ألف دولار حينها، وجرى النظر إلى العمل بصفته تشكيكاً في مفهوم الفن وجدواه، بل يمكن القطع أنه، في الجوهر، تعبير عن انحطاط يراد للفن أن يبلغه، ومحو الحدود بين ما هو أصيل ومزيف.
ثار جدل واسع على منصات التواصل الاجتماعي، لا حول السعر الخيالي للعمل فقط، وإنما أيضاً حول ما إذا كان ينبغي اعتباره فناً، وبالنسبة للأمر الأول يجدر السؤال عن الحكمة في أن يدفع رجل أعمال كل هذا المبلغ لاقتناء موزة تتلف بعد يومين أو ثلاثة من شرائها، غير الجري وراء شهرة ما، وبالنسبة للأمر الثاني، فإن الأمر لا يعدو كونه ترويجاً للتفاهة، خاصة حين نقرأ على لسان المشتري قوله إن الموزة عمل أيقوني للفنان، معتبراً أنها ليست عملاً فنياً فحسب، بل «يمثل ظاهرة ثقافية تربط بين عوالم الفن ومجتمع العملات المشفرة». وهذه بدورها عبارة مشفرة بحاجة لمن يشرحها لنا، فما الرابط المفترض بين الموزة، ولا نقول اللوحة، المشتراة، ومجتمع العملات المشفرة؟ انتهى الأمر طبعاً بإعلان المشتري الذي دفع ذلك المبلغ الخيالي عن التهامه للموزة موضع الحديث، حيث ظهر في مقطع فيديو متداول، على نطاق واسع، وهو ينزع الموزة عن الجدار، ثم يقشرها ويأكلها لتصبح بذلك أغلى وجبة موز في العالم.
للأديب الروسي ليف تولستوي مقال بعنوان «ما هو الفن؟»، رأى فيه أن الكثير مما ينسب إلى الفن ليس فناً، مشككاً في نسبة نماذج من العمارة وأزياء الممثلين على المسرح والطبخ وغيرها إلى الفن.
تراه ماذا كان عساه سيقول لو أنه أدرك زمن «لوحة الموزة» التي بيعت بهذا المبلغ الخيالي وقُدّمت كفنٍ مزعوم؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/28c88rdd

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"