تحقيق: راندا جرجس
هناك الكثير من نماذج الأمهات اللاتي تسلحن بالصبر وتجاوزن الصدمة، وبدأن بالعمل لإخراج أبنائهن من أصحاب الهمم من براثن التجربة المريرة، وما يترتب عليها من تأثيرات نفسية واجتماعية، فما كان لهم إلا التميز والتألق والنجاح.
هؤلاء الأمهات جمعتهن المعاناة والتجارب الإنسانية التي حملت الكثير من أوجاع الحياة إليهن، ليتعرف المجتمع إليهن عن قرب، ويشعر بألمهن ووجعهن وقوتهن رغم ضعفهن، وعزيمتهن رغم فقدان المجتمع الثقة بهن، وعلى الرغم من كونهن أكثر النماذج حاجة إلى العون والمساندة، إلا أنهن استطعن تذليل العقبات التي وقفت في طريقهن بالمثابرة والتحدي والإرادة.
«أمل يولد من رحم المعاناة»، بهذه الكلمات بدأت الأم موزة حمدان قصتها التي وضعت لها عنوان: «أنوار اليقين»، وتروي فيها عن طفليها أحمد ومريم، اللذين يعانيان من مشكلة بصرية منذ ولادتهما وتسببت بفقدان النظر (الجلوكوما الوراثية)، لكنها لم تتوان لحظة عن بث روح الاجتهاد والطموح فيهما، ومواصلة روح التحدي، ما جعلهما يحصدان العديد من الجوائز والتكريمات.
وتقول: «مع كل هذه المصاعب، كرست جهدي لهما، لم أقصر لحظة، وأصبحت المحرك الأساسي لهما نحو التفوق الدراسي والتميز السلوكي، ومعي زوجي يساندني قدر استطاعته رغم بعد مكان عمله».
وأكدت أن «التعليم المدمج، والتواصل الدائم مع التربويين يسهم في تطوير القدرات والمهارات، بجانب أهمية اعتبار الإعاقة دافعاً للتميز والتفوق، والتوصية بعدم اليأس، والثقة واليقين بأن الله تعالى سيعوض الإنسان بأفضل مما فقده».
همم صاعدة
ووجهت الأم رقية محمود رسالة ملؤها الأمل، من عمق تجربتها مع ابنتيها وديمة ومهرة، اللتان تعانيان من مرض التوحد، قائلة: «كل أم.. يحدوها الأمل دائماً، لتحقيق ما تصبو إليه في بناء أسرة صالحة وتربية أبناء أسوياء، ولديها ابن أو ابنة من ذوي الاحتياجات الخاصة والهمم الصاعدة، وتكافح من أجل أبنائها.. تعالج ضعفهم، وتسعى لتعليمهم، تبذل قصارى جهدها لإسعادهم وتربيتهم تربية صحيحة، تتخطى الحواجز، وتأخذ بيد أطفالها إلى طريق العلم والنجاح، تزرع في نفوسهم القيم النبيلة والإيجابيات.
بدأت الرحلة التي اختلطت فيها المشاعر بين الانهيار والانكسار والحيرة، والتحدي والصمود والتسلح بالصبر والإيمان، عندما اكتشف الأم أن ابنتيها تعانيان من عدم القدرة على التواصل والانسجام مع المحيطين بهما منذ عامهما الثاني.
وعلى الرغم من تراكم التوقعات السلبية والقلق من المستقبل الذي يظهر وكأنه لوحة مظلمة، إلا أنها استجابت لنداء الأمل والتفاؤل، وتوجهت لمركز متخصص لذوي الهمم والاحتياجات الخاصة، ووضع خطة علاجية من قبل الفريق الطبي، من بينها، التغذية السليمة والتعديل السلوكي واكتساب المهارات، وكانت التحديات تتلاشى أمام صبر وإرادة الأم، لتنجو بفلذات كبدها، وتفخر بالتحسن المستمر واندمجت الفتاتان مع المجتمع وتطوير المهارات.
نور أضاء حياتي
بدأت رحلة المعاناة للأم لطيفة النعيمي، منذ أن كانت نورة جنيناً ينبض، عندما أخبرتها الطبيبة في الشهر السابع من الحمل، أن صغيرتها تعاني مشكلة في القلب وحجمها أصغر من المعدل الطبيعي، وتقول: «عندما ولدت كنت أحدثها وهي داخل الحضَّانة، بأنها ستكون بخير، (كوني قوية أنتِ تستطيعين)».
وبعد الخروج من المستشفى بدأت رحلات الأمل ومساعدة ابنتها في مواجهة متلازمة داون، والتحديات التي ترافقها من صعوبة البلع، ومشكلات العيون والعظام وغيرها، وتمر الأيام والسنوات مع البحث عن أمل.
وتتخطى نورة المراحل التعليمية بنجاح وطموح وتحدٍ، لتصبح في المرحلة الثانوية، وتحصل على جائزة ألف للتميز، وتتواصل أحلامها. واختتمت الأم: «أروي قصتي لأقول إنهم يستطيعون، يحتاجون إلى يد تمدهم بالقوة، توصلهم إلى بر الأمان، مبدعون يخلقون السعادة لمن حولهم».
بصيص نور
تروي الأم بدرية الرئيسي، أن شما جاءت كبصيص نور وأمل لحياة جميلة وثمرة لزوجين أبناء عمومة، إلا أن الحياة كانت قاسية، «وجاءت الفاجعة والخبر الحزين عندما اكتشفا أن ابنتنا ستعيش في عالم الصمت، ونسبة السمع لديها شبه معدومة، وبدأت الرحلة بالتفرغ لعنايتها واستجمعت قواي لأكون القلب النابض لها، وخضعت لأول عملية جراحية، واستكملنا الرحلة بالعلاج الدائم والمتابعة في مراكز السمع والتأهيل».
وعندما قررت الأم الحمل للمرة الثانية لتنجب سنداً ومُعيناً لشما، فاجأتها الأقدار بطفلتها غلا المصابة بمتلازمة داون، وعلى الرغم من الصدمات المتتالية، إلا أن الرضا والإيمان والصبر كانت أسلحتها لمواجهتها، واهتمت برعاية طفلتيها وظهرت بشائر الخير عندما نطقت شما أول كلمة «ماما»، وذهبت للمدرسة وتُشارك في جميع الاحتفالات والدورات والورش التدريبية الخاصة بدمج طلاب الاحتياجات، وخضعت غلا لعملية قلب مفتوح تكللت بالنجاح، وما زالت رحلة العطاء مستمرة.
كفاح للقمة
جاء اليوم لتحمل الأم عائشة يوسف ابنيها بين حنايا أضلعها، ولكنه كان مبكراً بسبب نقص الأكسجين وقلة تدفق الغذاء للأجنة، ونجم عنه معاناة ومشاكل صحية في أول عامين من عمر أحمد ومحمد اللذين أصيبا بفرط الحركة وصعوبات التعلم وتأخر النمو الجسدي والذهني، ولم يكن الأمر سهلاً، إلا أن إصرار الوالدين على التحدي كان عظيماً، وكبر الولدان وصارا في المرحلة الثانوية، وكبر معهما الحلم والأمل، وتخطت الأسرة الصامدة الصعاب والتحديات، وما زالا يحققان أحلامهما، فهما بطلان في السباحة ويتطلعان لمنصات التتويج.
جوهرة الأمل
شهد قسم الخُدَّجْ والعناية المركزة اللقاء الأول بين الأم صباح الحوز، وصغيرتها جوهرة، وتلقت لحظة استلامها بعد فترة بأن الطفلة ستكون من أصحاب الهمم نتيجة إصابتها بالتهاب السحايا وضمور جزئي في الدماغ، وخلال رحلة مملوءة بالتجارب المريرة وصلت جوهرة إلى المرحلة الابتدائية ليُضاف التنمر إلى تحدياتها من صعوبة الكلام والتعبير والاضطرابات النفسية، وكان القرار أن تترك المدرسة.
ولم تستسلم الأم، واستجمعت قواها واستكملت مسيرتها وألحقت ابنتها بمراكز متخصصة، لتصبح جوهرة من أصحاب الهمم الذين حصدوا العديد من الجوائز والتكريمات.
رحلتي مع أجمل النعم
كانت الأم حورية آل علي، في السابعة عشرة من عمرها، عندما رزقت بطفلها الأول مبارك الذي ولد مصاباً بطيف التوحد، وبعدما خاضت رحلة التحدي والبحث في مراكز التأهيل المتخصصة، خاضت أيضاً طريقاً صعباً مع ابنتها مهرة وابنها مشاري اللذين يعانيان المرض نفسه بدرجات متفاوتة، وتقول: «بالصبر والتقبل والتفاؤل والأمل نرتقي للقمم، الدعم الأسري والمجتمعي، سبب لنجاح أصحاب الهمم.. شكراً لأبطالي أنتم مصدر قوتي وفخري وسعيدة بأن الله اختارني أم لهم».
متلازمة الحب
وصفت الأم شيخة سالم، لقاءها الأول بابنتها المصابة بمتلازمة داون: «لم أعرف هل هو ابتلاء، أم نعمة، وأبي زادني صموداً، وهو يقول انظري إلى ملاك الرحمة، يا لها من نعمة»، ومع مرور الأيام والسنوات أصبحت عزيمتي أقوى، وأدخلتها الكثير من المشاركات والمسابقات، وحصلت على المركز الثالث في مسابقة البولينغ للأولمبياد الخاص الإماراتي لأصحاب الهمم، وحققت الكثير من الإنجازات.
أمومة واعية
لم تتوان الخالة عزة بسام في رعاية ابنة أختها بسمة التي تعاني التوحد وفرط النشاط، بالرغم من وجود والديها، فقد حرصت على أن تشارك الطفلة تجربتها المريرة، وخاضت معها جميع الاختبارات المدرسية والطبية، وصمدن معاً في مواجهة التنمر واجتياز الصعوبات، واكتشاف الجانب الإبداعي والمهارات والميول التي يمكن العمل عليها وتطويرها.
الصغيرة أنهار
تطرح الكاتبة صالحة العليلي في الجزء الأخير من كتاب «أمهات فوق القمم» عن دار شاهين للطباعة والنشر والتوزيع، تساؤلاً «ماذا لو تخلت الأم عن طفلها من أصحاب الهمم؟».
وتشير عبر تفاصيل القصة التي تحمل عنوان: «الصغيرة أنهار.. قصة بين الواقع والخيال»، أن الإهمال والتخلي من الوالدين عن الطفل يزيد من المعاناة، ويفاقم المضاعفات وربما الوفاة، حيث إن مراعاة احتياجاتهم من قبل الأم والأب أمر محوري للعبور بأصحاب الهمم إلى بر الأمان.