ريش الثقافة في العواصف

00:19 صباحا
قراءة دقيقتين

هل عادت بك آلة الزمن، وأنت تتابع أخبار سوريا، إلى هدير أبي الطيب في بلاط سيف الدولة الحمداني؟ أمّا أنا فقد مررت بقلعة حلب، فلم أصدّق عينيّ، حين كتَفني أبو فراس وكأنه يعاتبني: «أراك عصيّ الدمع شيمتك الصبرُ.. أمَا للأسى نهيٌ عليك ولا أمرُ؟»، ما لك لا تنوح كالخنساء: «أعينيّ جودا ولا تجمدَا»، فالشهباء تنهشها الذئاب المجذومة؟ قلت: ما الخطْب، والأمّة مدجّجة بالخُطب؟ ثم إن علينا أن ننام ملء جفوننا، وأنت القائل: «لنا الصدر دون العالمين أو القبرُ». هأنت ذا اخترت، وها هي جحافلُ مؤلفةٌ ألوفاً من الأويغور والأوكران والشيشان وبؤرٍ أُخَر، بقيادات خفيّة، أخفى من أن تظهر، وأظهر من أن تخفى، بتعبير المتنبي: «يهزّ الجيش حولك جانبيهِ.. كما نفضتْ جناحيها العُقابُ».
أردت الاسترسال فقاطعني: أين عيون الأفهام وآذان العقول؟ منذ عقود وحادثات الليالي مرسومة على الآفاق. كان جليّاً أن ما جرى للعراق وسوريا وليبيا ثم غزة ولبنان والسودان، ليس سوى مقدمة خلدونية طويلة لمشروع لا يُعرف متى غده. الآن بدأ قطر ندى الفهم ينزل بالقطّارة. يقال، وجهابذة تقسيم الخرائط أعلم بأسرار الكواليس، ودواهي الدواميس، إن أبا الطيب، حين تابع هذه الأنباء المحشوة بالنوائب، وسرعة الاجتياحات، واستشفّ احتدام السيل من الشام إلى العراق، قال عن المعارك منقّحاً بيته: «أرى العراق طويل الليل مذ نشبتْ.. فكيف ليل سقوط الشام في حلبِ».
بالمناسبة: الثقافة، حتى الثقافة، تستطيع أن تلقي نظرةً ولو عجلى، على الوقائع والأحداث، ولو من باب تغيير المذاق، ففي نهاية المطاف، حين تدور الرحى، لا تكترث لأنواع الحبوب، حنطةً كانت أم حلبةً. أغلب الظن أن الأدباء من حقهم أن يعلموا ولو نبذةً عابرةً عن مصير حلب مستقبلاً، في أيّ جغرافيا سياسية ستكون؟ الأرجح أن المشهد يختلف في أذهان المثقفين، فثمّة فارق بين أن يكون المتنبي يصدح بشعره في حضرة سيف الدولة في حلب الشهباء الشامية، وبين أن تصير حلب، كما ينعب البوم لا قدّر الله، في تركيا مثلاً. التاريخ وتاريخ الأدب ستتغيّر بيئتهما إذا أضحت منطقة الموصل بكاملها تابعةً لخريطة أخرى غير العراق. هذه مجرّد دردشات ثقافية، لن تكلّف روّاد الثقافة غير هنيهات لإلقاء نظرة خاطفة على التحوّلات التي ستطرأ على مصير القدود الحلبية، أو القدور الحلبيّة أو المقادير الحلبية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفوضويّة: الفوضى الخلّاقة مدرسة تشكيلية فريدة. إبداع الرسم والنحت فيهما يُنجز بالجغرافيا ومن وما عليها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2f2uhkk4

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"