إعادة تدوير الهوية الثقافية

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

هل نواصل التسلّي بمفارقات الثقافة العربيّة في زمن الشدائد، أم تريد أن نلتمس لنا طرحاً جادّاً، لك أن تطرحه جانباً أو أرضاً ؟ بادئ ذي بدء يبدو أن مفهوم الثقافة العربية قد غيّر مسيره ومصيره. مثلاً، أن تغدو دراسة الأدب العربي كما لو كان في جزر الواق واق، يضع الأديب والناقد الساق على الساق، وإلى البحوث المحايدة المساق. بحث علميّ موضوعيّ منهجيّ، لا صلة له بمحيطه وظروفه الزمانيّة والمكانيّة. يعني أن يتساوى في موازين تفكيرك وتحليلك امرؤ القيس وهوميروس، المعري ودانتي، صريع الغواني و فيكتور هوغو، دعبل الخزاعي وموليير. هؤلاء جميعاً لا هم أبناء أعمامك، ولا هم أبناء خالاتك. العصر العباسي مثل عصر النهضة في أوروبا. الدراسات العلميّة لا تكترث لعلاقة الأرومة والنسب.
على ذكر العصر العباسي، في مجريات هذه التحولات الفكرية النفسية المجرّدة من كل متتاليات الهوية، تطرأ على المتعامل معها بحياد، لا بتفاعل آصرة حميميّة، تغييرات جوهرية، في مقدمتها أنه يمسي بلا جوهر. بمعنى أنه يصبح الصدى لا الصوت، أو بالأحرى بمثابة صندوق الرنين والطنين في الآلات الوترية، يستوي عندئذ عنده ملوك بني العباس وأباطرة روما، هارون الرشيد وكاليغولا، المأمون ونيرون، خصوصاً أنهما يشتركان في الوزن والقافية، بينهما الواو والنون. كذلك حين يعكف على مطالعة ديوان أبي الطيب، لا يشعر بأن شعرةً عاطفيةً تحركت في مفرق مهجته، فصحراء السماوة سواء لديه وصحراء «تاكلامكان» في شينجيانغ. سيف الدولة كأنه أحد الملوك الهنريات البريطانيين أو اللويسات الفرنسيين. لقد تحرر من الأواصر الجغرافية والعلائق التاريخية والروابط الناجمة الناشئة عن شبكة الجذور البيولوجية أو العقدية أو الثقافية.
تنعكس إعادة تدوير الهوية الثقافية على الأجناس الأدبية والأشكال الفنية، فمكونات الثقافة متشكّلة من طبقات كطبقات الأرض. قد يكون المستشرق أدرى وأعرف وأعلم منك بكثير بالخلفيات والخفايا والأبعاد الكامنة وراء نصوص أدبية من طراز خاص، كالنصوص الصوفية والبعيدة الأغوار في الأدب المقارن، ولكنه، حتى لو ضرب نفسه في ألف، لا يستطيع أن يحظى إحساساً وعاطفةً وتجاوباً مع قصائد من قبيل فتح عمورية لأبي تمام، أو «سلوا قلبي» أو «سلام من صبا بردى أرقُّ.. ودمع لا يكفكف يا دمشقُ»، لأمير الشعراء شوقي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الفكريّة: ما لا يحتمل الشكّ والتشكيك، هو أن الأمّة التي تقع في فخّ تداعيات إعادة تدوير الهويّة الثقافيّة، تتلقى في النهاية، عقاباً جماعيّاً.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/myajh8vc

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"