فعلت المستشارة الألمانية السابقة، أنغيلا ميركل، ما يفعله الزعماء الغربيون عندما يغادرون مواقعهم: كتبت مذكراتها. هذا ما فعله عدد من رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، ومثلهم فعل رؤساء غربيون.
من أشهر المذكرات تلك التي كتبها رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل (1874 –1965)، الذي شغل منصب رئاسة الحكومة مرتين، في الفترة (1940 – 1945)، والفترة (1951- 1955)، وعن هذه المذكرات، وسواها من مؤلفاته الأخرى، نال تشرشل جائزة نوبل للآداب عام 1953، ليكون السياسي الوحيد الفائز بالجائزة الأرفع في مجال الأدب. وعزت لجنة الجائزة منحه إياها إلى إتقانه الوصف التاريخي والسير، فضلًا عن أسلوب خطابته المذهل.
لم تكن الحقبة الزمنية التي تبوأت فيها أنغيلا ميركل منصب المستشارية في ألمانيا في الفترة 2005 – 2021، تشبه الحقبة التاريخية التي رأس فيها تشرشل الحكومة البريطانية، ولن تنال عن مذكراتها جائزة نوبل مثله، فهي سياسية وليست كاتبة، لكن مجرد الإعلان عن صدور مذكراتها أثار اهتمام القراء والرأي العام، بالنظر إلى الكاريزما التي تتمتع بها، وبرزت فترة توليها منصب المستشارية، وأيضاً لأن أوروبا، والعالم كله، شهد فترة ولايتها تحولات عاصفة، حتى لو لم تبلغ المدى الذي كانت عليه الدنيا في زمن تشرشل.
اختارت ميركل لمذكراتها الواقعة في أكثر من سبعمئة صفحة، عنوان «الحرية: مذكرات 1954-2021»، وهي الفترة التي تمتد من تاريخ ولادتها حتى مغادرتها منصب المستشارية، وفي هذه السيرة ما يلقي الضوء على مرحلة مهمة من تاريخ ألمانيا وأوروبا، ليس فقط في السنوات التي كانت فيها مستشارة، وإنما تلك العائدة إلى طفولتها وصباها وشبابها، كونها ولدت في القسم الشرقي من ألمانيا، الذي عرف باسم جمهورية ألمانيا الديمقراطية، يوم كانت ألمانيا مقسمة إلى قسمين كواحدة من نتائج هزيمتها في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي يمكن للقارئ أن يتعرف إلى تلك المرحلة من منظور امرأة عاشتها، ومنها تعلمت الكثير ما مكّنها لاحقاً من أن تصبح على قمة الهرم السياسي لعدة سنوات.
وفق ما نشر عن محتوى الكتاب يلفت النظر وقوف ميركل عند سياستها تجاه الهجرة، التي انتقدت بسببها من خصومها، ويُحملها البعض مسؤولية صعود التيارات الشعبوية المتطرفة رداً على تلك السياسة، كما تثير الاهتمام إشارة ميركل إلى هيمنة الرجال على الساحة السياسية الألمانية، ويبدو ذلك باعثاً على الاهتمام، فألمانيا بالذات تتسم بحضور ملحوظ للنساء في دنيا السياسة، ولكن ذلك لا ينفي الهيمنة الذكورية، كأننا بصدد ظاهرة عالمية تتصل بمسألة المشاركة السياسية للنساء، لا تستثنى منها حتى أكثر البلدان تقدماً، دون أن نغفل عن حقيقة أن ميركل نفسها مكثت في موقع المستشارية ستة عشر عاماً متواصلة، وهي ليست فترة قصيرة.
[email protected]
https://tinyurl.com/4z9m32tk