نفى الروائي التشيكي – الفرنسي ميلان كونديرا أن تكون أياً من رواياته تعكس صورته الذاتية. ليس ذلك فقط. نفى أيضاً وجود أي شخصية في أي من أعماله تعكس صورة شخص حي أو أي شخصية واقعية. قال إنه لا يحب «السير الذاتية المتقنعة»، «وأي شخص يفشي الحياة الخصوصية الحميمة للأفراد يستحق الجلد».
أعادتنا إلى أقوال كونديرا هذه، الضجة التي أثارها فوز رواية «حوريات» للكاتب الفرنسي من أصول جزائرية كمال داود، بجائزة «غونكور» الأدبية، حيث اتهمت سيدة الكاتب بسرقة قصة حياتها واستخدامها في عمله الأدبي من دون إذنها، بعد أن أفشت له زوجته الطبيبة النفسانية أسرار مرضها وتفاصيل حياتها الشخصية التي عاشتها في التسعينات خلال الفترة التي سميت «العشرية السوداء» بالجزائر، وهو ما قالته، في مؤتمر صحفي، المحامية التي وكلتها المرأة صاحبة الدعوى، مشيرة إلى أن الروائي داوود وزوجته الأخصائية النفسانية التي كانت المرأة تتلقى عندها علاجاً نفسياً استغلا قصتها وحالتها المرضية لكتابة «الحوريات» من دون إذن منها. وعرضت المحامية أدلة تُثبت ما قالته؛ حيث أظهرت وشمأً موجوداً أعلى ظهر المرأة، مؤكدة أنه نفسه الذي ورد في الرواية، التي تضمنت، أيضاً، أحداثاً أخرى عاشتها موكلتها، بينها فقدانها القدرة على الكلام بعد تعرضها لمحاولة قتل، مُظهرة بعض الشهادات الطبية التي تمكنت من استرجاعها.
انطلق كونديرا في رفضه إقحام الحياة الشخصية للأفراد في الأدب والرواية خاصة، من حقيقة أننا نعيش في عصر تعرضت فيه حيوات الأفراد إلى الاختراق والتدمير، وبنتيجة ذلك باتوا «يفقدون ميلهم إلى الحياة الخاصة والإحساس بها». وليس هذا قولاً جديداً لكونديرا، فقد سبق له في كتابه «فن الرواية» أن أزاح الدثار عن المفردة، أو المفهوم الملتبس: الشفافية؛ حيث باتت الرغبة في انتهاك حميمية الآخرين شكلاً من أشكال العدوانية، تمارسه الكثير من المؤسسات عبر البطاقات والاستمارات التي يملؤها الأفراد بالبيانات التفصيلية في البنك والمستشفى ومكان العمل أو عند إنجاز أي معاملة ذات شأن أو غير ذات شأن.
ربما لم تكن لوسائط التواصل الاجتماعي سطوتها الراهنة حين قال كونديرا قوله هذا، لذا لم يأت على ذكرها كأحد أخطر طرق انتهاك الخصوصية الذي بات مبرراً، لا بل وحتى شاعرياً تحت وقع الكلمة الجميلة: الشفافية. أما الدولة من حيث هي مؤسسات وهيئات وأساليب إدارة، فإنها تظل مُحاطة بالحماية المكينة التي ليس بوسع أية آلية من آليات الشفافية اختراقها.
وفي حوار معه، قال كونديرا إن الحياة تصبح جحيماً عندما يعجز المرء عن إخفاء خصوصيته عن أعين الآخرين، ويجد نفسه تحت عدسة مكبرة، فتنتهك أسراره ويغيب احترام تفاصيل حياته الشخصية.
[email protected]
https://tinyurl.com/4dayx9u4