سوريا.. نهاية نظام أم نهاية دولة؟

00:05 صباحا
قراءة 3 دقائق

تسارعت الأحداث في سوريا بصورة غير مسبوقة بسيطرة قوات المعارضة المسلحة على كل الأراضي السورية وسقوط دمشق، وهنا يثار أكثر من تساؤل: هل ما حدث هو نهاية لنظام بشار الأسد، أم نهاية لسوريا كدولة مستقلة وذات سيادة؟ وهل هي مرحلة لتقسيم سوريا إلى دويلات؟ والسؤال أيضاً ما تفسير ماحدث؟ وأين دور إسرائيل المستفيد الأكبر مما جرى؟
نظريتان قد تفسران ما جرى وسيجري في سوريا مستقبلاً: الأولى نظرية المؤامرة غير المعلنة من قبل دول إقليمية ودولية لها مصلحة في التخلص من نظام الأسد والعمل على إقامة سوريا الجديدة، بما يتناسب ومصالح قوى إقليمية في شمال سوريا ومنطقة حلب التي تشكل القلب الاقتصادي والتخلص من التهديد الكردي، ومصلحة روسيا وأمريكا في المنطقة وإعادة تقسيمها كمناطق نفوذ بينهما. ولا ننسى المستفيد الأكبر إسرائيل من انهيار النظام السوري وتحول سوريا إلى دويلات طائفية ومذهبية وإثنية، وهذا يتماشى مع هدفها وهدف أمريكا في إعادة رسم الخريطة السياسية للشرق الأوسط التي تهيمن عليها إسرائيل.
وهنا استحضر نبوءة الدكتور عبد الله حامد أستاذ العلوم السياسية قبل أكثر من أربعين عاماً، بأن إسرائيل لن تسمح بقيام دولة قوية موحدة على حدودها الشرقية، ولن تسمح بتشكيل نواة قوة عربية تختزل إسرائيل داخل حدود ضيقة، وبالتالي يسهل التغلب عليها وابتلاعها.
هذه الرؤية نراها اليوم في ما جرى في العراق، والآن في سوريا اليوم وبما تقوم به إسرائيل من احتلال لأراضٍ سوريّة جديدة كمنطقة عازلة وضرب كل بنية سوريا العسكرية والاقتصادية.
هذه النبوءة يمكن القول بأنه يتم ترجمتها اليوم في سوريا بانهيار نظام الحكم، ورأيناها في تجربة الوحدة المصرية - السورية عام 1958 بزعامة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر التي لم تدم أكثر من ثلاث سنوات. وجاء بعدها الحكم البعثي بزعامة حافظ الأسد، وبدلاً من أن تتحول سوريا لدولة قوية تنصهر في بوتقتها العربية، دخلت في حروب أهلية بعد أن داهمتها الجماعات المتطرفة واستولت على أجزاء من الجغرافيا السوريّة، وأدى ذلك إلى تدخلات أجنبية، حيث أقيمت القواعد العسكرية في الشرق والشمال والجنوب، كما تم استقدام مجموعات مسلحة تحولت هي الأخرى إلى قوات تدعم النظام لمواجهة التنظيمات المسلحة المتطرفة. في حين كانت إسرائيل تشدد قبضتها على مرتفعات الجولان السورية المحتلة التي أعلنت ضمها واعتبارها جزءاً من أراضيها، وهي اليوم تتوسع باحتلال المنطقة المنزوعة السلاح وتتقدم باتجاه العاصمة دمشق تحت ذريعة حماية أمنها، ما يشكل تهديداً لسيادة سوريا واستقلالها ووحد ة أراضيها.
وكما أشار الكاتب البريطاني باتريك سيل في كتابه «الصراع على سوريا» بأن الصراع من أجل السيطرة على سوريا هو الأكثر أهمية وأولوية في فترة ما بعد الحرب الثانية. وهو كما نرى اليوم بات يمثل أولوية كبرى للدول الإقليمية والدولية وكمدخل لإعادة رسم خريطة المنطقة وإغلاق ملفها الأكبر وهو ملف القضية الفلسطينية. وكما هو معروف تاريخياً فإن تاريخ سوريا مر بعدة مراحل، الأولى مرحلة دولة سوريا الكبرى والاحتلال العثماني، ثم مرحلة الانتداب الفرنسي، ثم مرحلة الاستقلال حيث كانت سوريا خلال هذه المراحل في بؤرة المؤامرات نظراً لدورها وموقعها وتاريخها.
ما جرى ويجري في سوريا ليس مجرد أزمة مركّبة بكل تعقيداتها الإقليمية والدولية والداخلية، بل هو استمرار لمؤامرة تتخذ شكلاً جديداً ذا طابع طائفي وعرقي، تمهيداً لتقسيمها إلى مناطق نفوذ بين الدول الإقليمية والدولية المسيطرة على الأرض وأبرزها تركيا للحيلولة دون قيام دولة كردية، إضافة إلى إسرائيل التي ضمت الجولان بدعم أمريكي للتخلص من جبهة كانت تشكل مصدر خطر وقلق عليها، ولذلك استغلت مباشرة حالة الفراغ بعد سقوط النظام وباشرت في تدمير كل القدرات العسكرية السورية.
يبقى أننا لو نظرنا إلى الخريطة الجغرافية لسوريا سنجد تقسيماً قائماً، فمنطقة شرق الفرات تسيطر عليها القوات الكردية (قسد) إضافة إلى القوات الأمريكية الموجودة في العديد من القواعد العسكرية، وفي الشمال تسيطر التنظيمات العسكرية المتطرفة التي تحظى بغطاء ودعم من تركيا، وهي التي شنّت هجومها المباغت الأخير وسيطرت على معظم المدن السورية بما فيها دمشق، إضافة إلى الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان في الجنوب وتمدده بما يتجاوز المنطقة العازلة التي أقيمت بعد حرب العام 1967.
إن ما يجري ليس مجرد تغيير لنظام الحكم، إنه البداية لإعادة رسم الخريطة السياسية ليس لسوريا فقط بل للمنطقة كلها، بما يتفق ومصالح الدول الإقليمية والدولية انتظاراً لليوم التالي لسوريا.
والسؤال التحدي: هل تستطيع سوريا تجاوز ما يخطط لها، وهل تتمكن من التغلب على التحديات التي تواجهها، وتحقق التغيير في إقامة الدولة الديمقراطية، ودولة المواطنة والمؤسسات القادرة على تجاوز المحنة، والتمسك بهويتها العربية الأصيلة، والبناء من جديد؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrye8dfj

عن الكاتب

أكاديمى وباحث فلسطيني في العلوم السياسية متحصل على الدكتوراه من جامعة القاهرة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، ومتخصص في الشأن السياسى الفلسطيني والخليجي و"الإسرائيلي". وفي رصيده عدد من المؤلفات السياسية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"