غياب أهم ركنين في الثقافة

00:39 صباحا
قراءة دقيقتين

إلى أيّ حدّ تزداد الحاجة إلى الثقافة في الشدائد، في ميدان الفكر تحديداً؟
المسألة ليست يسيرةً، فهل يستطيع مثقف أن يحيلنا على مرجع، كتاب، دراسة شافية كافية، عن الثقافة ودورها في الظروف الشائكة، وتخصيصاً في إدارة الأزمات؟ ذلك الدور لم يُرسم في يوم من الأيام، فلا توجد له معالم وملامح، ولا يُعرف له شكل ولا مضمون. السبب واضح، فمفهوم الثقافة السائد ينحصر في المجالات الإبداعية، وما جاورها من البحوث والدراسات النقدية والتحليلية. أمّا ملابسات الحياة العامّة، والانعكاسات المتبادلة المتدرّجة من المحلي إلى الإقليمي إلى الدولي، فتلك شؤون خارجة عن نطاق الملعب الثقافي المألوف في الفنون السبعة وما إليها.
من الصعب تحميل الثقافة العربية اليوم ما لا تحتمل، فنحن نظلمها إذا توهّمنا أنه كان في إمكانها أن تلعب دوراً في إدارة الأزمات، أو أن لها رسالةً أو مسؤوليةً أو وظيفةً في هذا المضمار. ببساطة، لم تعرف الثقافة العربية في أيّ مرحلة من مراحل تاريخها، علاقةً عضويةً ببناء الدولة، في حين أننا نرى هذه الرابطة جوهريّةً في اليونان القديمة، ثمّ انتقلت إلى أوروبا قبل عصر النهضة بقرون، في بريطانيا ثم في فرنسا وألمانيا...
تلك التحولات ذات الآثار الحاسمة في مراكمة التجارب في بناء الدول، قامت على ركنين أساسيين: الفلسفة ومشتقاتها من ميادين الفكر، من جهة، ومن أخرى البحث العلمي. للأسف، لم يُسَدّ الفراغان عربيّاً منذ مطلع التاريخ الحديث إلى اليوم، أي طوال ثلاثة قرون.
غياب الركنين البنيويين في الثقافة، في قرون شديدة الحساسية في التاريخ العربي، جعل تفاقم الافتقار إليهما ذا انعكاسات سلبيّة على الجغرافيا السياسية العربية. لقد كان العالم العربي يدبّ دبيباً بطيئاً على طريق التنمية، بينما كانت الإمبراطوريتان، الفرنسية ثم البريطانية تنموان بسرعة مشهودة، بتوسيع المستعمرات، وإنتاج العلوم، ما جعل اللحاق بالركب متعذّراً. وعندما انتقلت الهيمنة إلى إمبراطورية شمال القارة الجديدة، ازدادت القصة تعقيداً.
ما يدعو إلى الرثاء الفكري أن العقل العربي لم يدرك في وقت مبكّر العلاقة العضوية للثقافة بالجغرافيا السياسية، من خلال التنمية الشاملة. لا يمكن لعاقل أن يعدّ الفلسفة في عداد العلوم، لكنها هي أمّ العلوم تاريخيّاً، واليوم لا يوجد علم يستغني عن فلسفة العلوم. أمّا البحث العلمي فهو حفيد الفلسفة، وابن العلوم.
لزوم ما يلزم: النتيجة البديهية: المنطلق السليم لقطار العقل العربي، هو إعادة اختراع العجلة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mmbthkbj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"