عادي

وثائق وشهادات تكشف التفاصيل.. من كان يدير الجيش السوري وكيف انهار؟

19:41 مساء
قراءة 8 دقائق
وثائق وشهادات تكشف التفاصيل.. من كان يدير الجيش السوري وكيف انهار؟

عواصم- رويترز
كان المجند السوري فرحان الخولي (23 عاماً) في حالة معنوية سيئة ويتلقى راتباً هزيلاً، وقال: إن موقعه العسكري الواقع في منطقة قاحلة بالقرب من مدينة إدلب الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلحة كان من المفترض أن يضم تسعة جنود، لكن لم يكن به سوى ثلاثة بعد أن دفع بعضهم رشى لضباط من أجل التهرب من الخدمة.
وأضاف أن قادته كانوا يرون أحد المجندين الاثنين اللذين كانا معه غير لائق من الناحية النفسية ولا يمكن الوثوق به في حمل السلاح.
غادروا مواقعهم
وعلى مدى أعوام، ظل مقاتلو «جبهة تحرير الشام» خلف خطوط القتال القريبة مع دخول الصراع في سوريا بحالة من الجمود. لكن في يوم الأربعاء 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، اتصل بالخولي الضابط المسؤول عنه، والذي كان في موقع عسكري آخر خلف خطوط القتال، وأخبره أن مجموعة من قوات الفصائل في طريقها إليه. وقال الضابط: إن الوحدة لا بد أن تقاتل وتتمسك بالحفاظ على موقعها.
وبدلاً من الامتثال للأمر، وضع الخولي هاتفه على وضع الطيران وارتدى ملابس مدنية وألقى سلاحه وغادر الموقع. وفي طريق العودة إلى الجنوب شاهد مجموعات أخرى من الجنود تغادر مواقعها.
وفي مقابلة مع «رويترز» هذا الأسبوع في دمشق، حيث وجد عملاً في مزرعة للخيول، قال الخولي: «ضليت رايح باتجاه حماة، مشي، لا في سيارة ولا شي. طلعت وراي العالم (الناس) كلها جاي وراي، لما شافوا إنه في حدا هرب، صار كل العالم يترك سلاحه ويهرب».
وخلال أقل من أسبوعين دخلت قوات الفصائل العاصمة دمشق وانتهى حكم الرئيس السابق بشار الأسد مع تلاشي جيشه تماماً. وأنهى هذا المسار على نحو مباغت الصراع الذي استمر 13 عاماً وأودى بحياة مئات الآلاف.
وتحدثت «رويترز» إلى نحو عشرة مصادر من بينهم اثنان منشقان عن الجيش السوري وثلاثة ضباط سوريين كبار وقائدان لفصيل عراقي يعمل مع الجيش السوري ومصدر أمني سوري ومصدر مطلع على أسلوب جماعة حزب الله، أحد حلفاء الحكم السابق الرئيسيين.
من يدير الجيش؟
ورسمت المصادر، إلى جانب وثائق مخابرات عثرت عليها «رويترز» في مكتب عسكري مهجور في العاصمة، صورة تفصيلية لكيفية انهيار الجيش الذي كان مرهوب الجانب قبل ذلك، بسبب انخفاض الروح المعنوية للقوات والاعتماد الكبير على الحلفاء الأجانب وخاصة في هيكل القيادة والغضب المتزايد بين صفوفه بسبب «الفساد المستشري».
وطلبت معظم المصادر عدم ذكر أسمائها لأنها غير مخولة بالحديث إلى وسائل الإعلام أو خوفاً من الانتقام. ووفقاً للمصادر، فإنه منذ اندلاع الحرب في عام 2011، أصبحت قيادة الجيش السوري تعتمد على القوات الإيرانية المتحالفة معها والقوات اللبنانية والعراقية لتوفير أفضل الوحدات القتالية في سوريا.
وأضافت المصادر أن الجزء الأعظم من هيكل القيادة العملياتية للجيش السوري كان يديره مستشارون عسكريون إيرانيون وجماعات مسلحة متحالفة معهم. لكن العديد من المستشارين العسكريين الإيرانيين غادروا في الربيع بعد الضربات الجوية الإسرائيلية على دمشق، وغادر الباقون الأسبوع الماضي، وفقاً لقادة الفصائل العراقية الذين عملوا معهم.
وقال المصدر المطلع على تفكير حزب الله: إن معظم مقاتلي حزب الله وقادته غادروا بالفعل في أكتوبر/ تشرين الأول للتركيز على الحرب المتصاعدة في لبنان مع إسرائيل.
افتقار لاستراتيجية دفاعية
وقال عقيد سوري ومصدران أمنيان سوريان ومصدر أمني لبناني مطلع على الجيش السوري: إن مركز القيادة والسيطرة المركزي للجيش السوري لم يعد يعمل بشكل جيد بعد رحيل الضباط الإيرانيين وحزب الله، وإن الجيش كان يفتقر إلى استراتيجية دفاعية، وخاصة بالنسبة لمدينة حلب، ثاني أكبر مدينة في سوريا.
وعلى النقيض من ذلك، كشف تقرير أصدرته مجموعة الأزمات الدولية بعد سقوط حلب، أن قوات الفصائل في الشمال الغربي، التي كانت من الناحية النظرية أقل عدداً من الجيش، أمضت سنوات في توحيد صفوفها تحت غرفة عمليات واحدة كانت تنسق مجموعاتها ووحداتها في القتال.
وقال قائد إدارة العمليات العسكرية في سوريا أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، أقوى شخصية في سوريا في الوقت الراهن، الأربعاء، إنه سيفكك قوات الأمن السورية.
معركة حلب
قال مصدران أمنيان سوريان: إن الجيش لم يقدم خطة واضحة لوحداته عندما تعرضت حلب للهجوم في أواخر نوفمبر/ تشرين الثاني، لكن صدرت لها أوامر بإعداد الخطة بنفسها أو التراجع إلى مدينة حمص الاستراتيجية لمحاولة إعادة تجميع صفوفها.
وسقطت حلب دون قتال كبير في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد يومين فقط من بدء الهجوم، وقال ثلاثة ضباط سوريين كبار: إن ذلك أثار موجة من الصدمة في صفوف الجيش. وقالت كل المصادر: إن ما تبقى على الأرض كان جيشاً يفتقر بشدة إلى التماسك.
ووصفت المصادر معاناة وحدات عديدة من نقص في العدد نظراً لقبول ضباط رشى لإخراج الجنود من الخدمة، أو مطالبتهم للجنود بالعودة إلى ديارهم وحصولهم على رواتبهم بدلاً منهم.
وذكر تقرير التوازن العسكري الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، أن الجيش السوري ضم 130 ألف فرد في عام 2020. ووصف التقرير الجيش السوري بأنه كان مستنزفاً بشكل كبير جراء الحرب الأهلية الطويلة وأنه تحول إلى غير منظم هيكلياً على غرار الجماعات المسلحة يركز على الأمن الداخلي.
وقال مسؤول أمريكي طلب عدم ذكر اسمه: إن الولايات المتحدة تلقت معلومات في الأيام التي سبقت انهيار الحكم في سوريا يوم الأحد، أفادت بحدوث انشقاقات وتبديل للولاءات على نطاق واسع، فضلاً عن انتقال بعض العناصر إلى العراق.
استعداد قتالي
وفي 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، أصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة أوامر لجميع القوات بأن تكون على أهبة الاستعداد القتالي، وذلك وفقاً لوثيقة عسكرية عثرت عليها «رويترز» في مكتب تابع للمخابرات الجوية في دمشق.
وفي مؤشر على القلق الشديد الذي انتاب نظام الحكم في سوريا، اتهمت الإدارة العامة للمخابرات الجوية السورية، وهي من الأجهزة الرئيسية، رجالها بالتراخي في نقاط الحراسة في شتى أنحاء البلاد بعد أن اجتاحت الفصائل المسلحة إحدى نقاط التفتيش في الجنوب في الأول من ديسمبر/ كانون الأول، وحذرتهم من عقاب شديد إذا لم يقاتلوا، وفقاً للوثيقة.
ورغم الأوامر والتهديدات، بدأت أعداد متزايدة من الجنود والضباط في الفرار، حسبما ذكرت جميع المصادر. وبدلاً من مواجهة الفصائل المسلحة، أو المتظاهرين، شوهد الجنود وهم يغادرون مواقعهم ويرتدون ملابس مدنية ويعودون إلى منازلهم. ووجد صحفيو «رويترز» الذين دخلوا سوريا، الأحد، أن الزي العسكري ما زال متناثراً في شوارع دمشق.
ضعف الروح المعنوية
كان «الفساد وضعف الروح المعنوية» متفشيين في صفوف الجيش. وقال اثنان من الضباط، أحدهما تقاعد في الآونة الأخيرة والآخر انشق: إن غضب الكثير من الضباط أصحاب الرتب المتوسطة تصاعد في الأعوام القليلة الماضية لأن تضحيات الجيش وانتصاراته أثناء الحرب لم تترجم إلى تحسين الرواتب والظروف والموارد.
وفي 2020، أبرمت روسيا وتركيا اتفاقاً أدى إلى تجميد جبهات القتال وتقسيم البلاد فعلياً بعد استعادة الحكومة السورية السيطرة على معظمها، بما في ذلك جميع المدن الكبيرة والطريق السريع الرئيسي الذي يربط بين دمشق وحلب.
لكن آرون لوند، الباحث في مركز «سنشري إنترناشونال» للأبحاث الذي يركز على الشرق الأوسط، قال: إن الاقتصاد السوري ظل يعاني بفعل العقوبات الأمريكية وانخفاض المساعدات الخارجية.
وأضاف: «ساءت الأمور بالنسبة للجميع، باستثناء الصفوة والنخبة. لابد وأن الأمر كان محبطاً بشدة».
وعلى الرغم من أن مراسيم في 2021 رفعت الرواتب العسكرية إلى مثليها تقريباً لمواكبة التضخم الذي تجاوز 100 في المئة في هذا العام، فإن القوة الشرائية انخفضت بشدة مع انهيار الليرة السورية مقابل الدولار.
وقال العقيد مخلوف مخلوف، الذي كان يخدم في لواء هندسي، إنه إذا اشتكى أحد من الفساد كان يتم استدعاؤه للاستجواب أمام محكمة عسكرية، وهو ما حدث معه هو نفسه أكثر من مرة. وأضاف: «نعيش في مجتمع مخيف. نخشى التفوه بكلمة».
وقال في مقابلة أجريت معه في حلب، الثلاثاء: إن مكان خدمته كان في حماة، لكنه انسحب قبل سقوط المدينة في أيدي مقاتلي الفصائل في الخامس من ديسمبر/ كانون الأول.
وقال ضابط مخابرات عسكرية كبير في الخدمة: إن الغضب تصاعد على وجه الخصوص في العام المنصرم، مضيفاً أنه كان هناك «سخط متزايد».
سنوات الاضمحلال
تلقي تجربة الخولي العسكرية الضوء على مشكلات الجيش، وتساعد في تفسير غياب نزعة الولاء لديه. تم تجنيده للخدمة الإلزامية التي تستمر 18 شهراً عندما بلغ التاسعة عشرة بعد أن دفع رشوة لأحد الضباط لتأجيل خدمته لمدة عام.
وعندما انتهت فترة خدمته صدر أمر ببقائه في الجيش إلى أجل غير مسمى. وفر الخولي لكن ألقت دورية القبض عليه في وقت لاحق وأودع بالسجن لمدة 52 يوماً ثم أرسل إلى نقطة عسكرية نائية بالقرب من إدلب.
وكان يتلقى راتباً قدره 500 ألف ليرة سورية (40 دولاراً). وعادة ما كانت مخصصات الجيش تتعرض للنهب قبل وصولها. وقال، إنه كان ينفق راتبه كله أحياناً لشراء المزيد من الطعام.
وقال: إن رفاقه ممن يملكون المال كانوا يدفعون للضباط مقابل التسريح من الخدمة، لكنه لم يكن ميسوراً. وأضاف أن اللواء الذي كان ينتمي له كان يضم 60 جندياً فقط على الرغم من أن قوامه 80.
ووصف الخولي كيف كانت معاملة الضباط سيئة، وأنها شملت القيام بأعمال يدوية شاقة وحفر سواتر أرضية في الطقس الحار والبارد وخلال الليل. ووصف رائد سابق الاعتماد على تشغيل الجنود قسراً بأنه «خطأ فادح».
وقال جندي سابق بالجيش في قطاع الدعم اللوجستي يدعى زهير ويبلغ من العمر 28 عاماً في مقابلة أجريت معه في دمشق، الثلاثاء، إنه شاهد ضباطاً يسرقون مولدات الكهرباء والوقود ويقومون ببيعها.
وأضاف: «كل ما كان يشغلهم هو استغلال مناصبهم للثراء». وقال، إنه قاتل لأعوام، لكن أبناء عمومته ضمن صفوف الفصائل، وأضاف أنه شعر بسرور بالغ عندما كانوا يتقدمون.
الاعتماد على الحلفاء
اعتمد نظام الحكم السابق على الحلفاء في محاربة الفصائل المسلحة. وأرسلت روسيا طائرات قصفت مواقع الفصائل، وأرسلت إيران مستشارين عسكريين ومقاتلين من حزب الله. كما جاءت من العراق فصائل مسلحة، وكذلك جماعة أخرى من مقاتلين أفغان.
وكانوا يتمتعون بمهارات قتالية ورفاهية على عكس الجنود السوريين. وقال قائد فصيل عراقي مسلح يخدم بالقرب من حلب: إنه يعرف فصيلة سورية من المفترض أنها تتكون من 30 جندياً لم يجد بها سوى ثمانية جنود فقط.
وذكر القائد أن فصيله كان يدعو عادة هؤلاء الجنود لتناول الطعام معهم بدافع الشفقة لأن حصصهم الغذائية يرثى لها. وقال قادة فصائل عراقية ومصدر مطلع على طريقة تفكير حزب الله: إن الجماعة اللبنانية والفصائل المسلحة المتحالفة معها ينظرون إلى القوات السورية النظامية بازدراء.
وأضافت المصادر أنهم لا يثقون فيها لتنفيذ عمليات مهمة ولا يقاتلون إلى جانبها في الغالب.
هجمات 7 أكتوبر 2023
قال قائد الفصيل العراقي المتمركز بالقرب من حلب ومستشار عسكري عراقي في دمشق: إن التزام إيران تجاه سوريا بدأ يتزعزع في الأشهر التي أعقبت هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وتضمن رد إسرائيل على هجوم حماس تكثيفاً للضربات على أهداف مرتبطة بإيران في مناطق تشمل سوريا.
وأسفرت ضربة في أول أبريل/ نيسان عن مقتل قادة كبار من الحرس الثوري الإيراني كانوا في مبنى داخل مجمع القنصلية الإيرانية في دمشق. ولم تؤكد إسرائيل أو تنفي تورطها في ذلك.
وقال المصدران العراقيان: إن عدد القادة من الحرس الثوري الإيراني الموجودين في سوريا انخفض بشكل كبير بعد ذلك.
وذكر أحدهما أن قيادة العمليات العسكرية السورية أصبحت غير فعالة نتيجة لذلك، وتفاقم الوضع بسبب انسحاب حزب الله في أكتوبر/ تشرين الأول.
وقال المصدران: إن روسيا شنت ضربات جوية على قوات الفصائل أثناء تقدمها في حماة وحمص، لكن بخلاف المراحل السابقة من الحرب، لم تكن هناك قوات برية قادرة على الاستفادة من ذلك.
وبحلول يوم السبت، السابع من ديسمبر/ كانون الأول، كانت روسيا تدعو إلى انتقال سياسي. ورفض الكرملين ووزارة الخارجية الروسية التعليق على هذه الرواية. وقال الكرملين، الثلاثاء: إن روسيا «بذلت جهداً كبيراً» لمساعدة الأسد خلال الحرب، لكن الوضع تدهور بعد ذلك.
وقال عقيد في الجيش السوري: إن القوات السورية اعتمدت على حزب الله في قيادة العمليات بحلب. وأضاف هو وقائد الفصيل العراقي والمستشار العراقي: إن الجيش السوري لا يستطيع السيطرة على الأراضي القريبة من المدينة بدون مستشارين إيرانيين أو حزب الله.
وقال قائد الفصيل العراقي: إن الفصائل العراقية المسلحة أرسلت المزيد من المقاتلين إلى سوريا الأسبوع الماضي، لكنها وجدت أن جميع قنوات الاتصال بالمستشارين العسكريين الإيرانيين انقطعت.
وذكر أن الأوامر صدرت للجماعات العراقية بالمغادرة بعدما استولت الفصائل على مدينة حماة يوم الجمعة. وأكد المستشار العسكري العراقي: «خسرنا معركة سوريا من اليوم الأول».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrvabput

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"