حوارية تجديد العلاقة بالتراث

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

قلت للقلم: ما لك لا تكفّ عن أحاديث الثقافة؟ هلا غيّرت المذاق بكلام في شروط التنمية المتألقة، في النموّ، في النماء، في ما يجعلنا نتفاءل، لكل دولة عربية بقول المتنبّي: «سال النضار بها وقام الماءُ»؟
قال: ينطبق علينا، أنت وأنا، المثل الفرنسي: «أنت على حقّ، وأنا غير مخطئ». معك حق، فحتى ثلاثي الثاء والقاف والفاء، لا يخلو من حركات مشبوهة، ففي قلبات وجوهه الستة، طبقاً للاشتقاق الأكبر لدى فيلسوف النحو ابن جني، لا نجد غير جذر ثقف. في ظني لا وجود في لغتنا للخمسة الأخرى: ثفق، فثق، فقث، قثف وقفث. أليس معيباً للثلاثي الذي اشتقت منه الثقافة، أن يكون انعزالياً، منشقّاً عن الديمقراطية والتشاركية وقبول الآخر؟ فعلاً، هذا الفعل غير سويّ في طريقة تفكيره، فهو إقصائي إلغائي، لا يؤمن بحريات الفكر والرأي والتعبير. أمّا عن أنني لست مخطئاً، فلأن التنمية المتعثرة والاقتصادات المتعسّرة، والدول الفاشلة، هي كلها نتيجة ثقافات غير فعّالة، تحتاج إلى إعادة نظر جذرية.
قلت: ها أنت زدت المعضلة تعقيداً. «جئنا به يشفع في حاجةٍ.. فصار محتاجاً إلى شافعِ». عليك التيسير لا التعسير. الثقافة تراكماتُ أكثر من ألف سنة، فماذا تعني إعادة النظر جذرياً؟ قال: من أين جاءتك ومضة هذا البرق اللامع؟ مشكلة العقل العربي هي أن مفهومه للتراث ملتبس، لأنه يضفي عليه قداسةً بالجملة. مثل شخص على نيّاته، يدخل مكتبة بها عشرات الألوف من الكتب، فيصاب بالدوار. لكنها ليست كذلك، ففيها كنوز وفيها مهملات، فيها النفائس وفيها السموم الناقعات، فيها قمم القيم وفيها الحضيض والمريض. الاختبار مجّاني، ففي الشبكة العنكبوتية، تستطيع تصفّح كتب مناهج العربية، في العالم العربي، وترى ألواناً من خبط عشواء، بعضها أسوأ ما يتعلّمه النشء الجديد. الثقافة تستدعي صيانةً مستمرةً. لا بدّ من تجديد النظر في علاقتنا بميراث ماضينا. لسبب بسيط، فثقافتنا العربية هي التي أوصلتنا إلى الأوضاع الحالية، وستزداد الأمور تردّياً إذا لم يتدخل العقلاء لطرح الأسئلة الصعبة: أيَّ عالم عربي نريد؟ ولأيّ زمن وعصر نريده؟ من الضروري أن ندرك أن في ميراثنا الثقافي روائع يجب إخراجها من بطون الكتب، وصقلها وتأهيلها لتصير قادرةً على المشاركة الفاعلة في الحياة العامّة. على مفكرينا ومثقفينا أن يضيفوها إلى أحصنة محركات التنمية الشاملة. وإلا وقعنا في الخطأ القاتل: نتغنى بأصالة القدامى، وننسى أن نبني أصالتنا التي سيرثها الأبناء والأحفاد.
لزوم ما يلزم: النتيجة الاقتدائية: كيف نجح اليابانيون والصينيون، في إرساء ثقافة متوازنة بين تجليل الماضي، والعمل للغد وكأنه الأبد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ytfuzy4e

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"