«كوب 29».. التحديات والآمال

00:01 صباحا
قراءة 4 دقائق

تواصل دول العالم مساعيها للسيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري التي باتت تهدد الحياة على الأرض، وذلك من خلال عقد المؤتمرات السنوية للتلاقي والتشاور حول أفضل الوسائل لوضع معايير دولية ثابتة للحد من تلك الظاهرة، التي تهدد كوكب الأرض.
في العام الماضي استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة «كوب 28» مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وتمكنت من تحقيق تغير جذري في آلية مؤتمرات الأطراف وأجنداتها، حيث نجح مؤتمر «كوب 28» في كسر جمود العمل المناخي، والتوصُّل إلى إجماع بين الدول الأطراف على عدد كبير من الملفات الرئيسة التي ظلَّت عالقة لفترات طويلة في المؤتمرات السابقة.
وقد استضافت جمهورية أذربيجان، مؤتمر الأطراف «كوب 29» في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تحت شعار «التضامن من أجل عالم أخضر»، وتزداد المخاطر بشكل خاص في ظل استعداد هذا العام لأن يصبح أول عام تتجاوز فيه درجات الحرارة المتوسطة السنوية عتبة 1.5 درجة مئوية الحرجة فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ولذلك فإن مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ «كوب 29» كان ملزماً بإرسال إشارة واضحة وقوية حول الالتزام بالتعددية والتعاون العالمي باعتبارهما الطريقة الأكثر فعالية وعدالة للاستجابة لتغير المناخ.
وقد شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة بـ«كوب 29» في أذربيجان، وقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة «حفظه الله»، بزيارة عمل إلى جمهورية أذربيجان شارك خلالها في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية. وأكد سموه، في كلمة له بمناسبة مشاركته في القمة، حرص دولة الإمارات على الإسهام في تسريع العمل المناخي، وأن «دولة الإمارات لديها إرث غني وراسخ في مجال الاهتمام بحماية البيئة، وتعزيز قيم التنمية المستدامة، وهو ما دفعها إلى استضافة مؤتمر «كوب 28» خلال العام الماضي، وحرصها خلال هذه الاستضافة على العمل بروح التعاون الدولي، لتقديم استجابة فاعلة لأول حصيلة عالمية لتقييم التقدم في تنفيذ أهداف اتفاق باريس».
وقد واجه «مؤتمر الأطراف «كوب 29» في أذربيجان تحديات ناجمة عن الصراعات الدولية، ونزاعات حول تمويل التغير المناخي، وتُعد هذه النقطة محل خلاف كبير، إذ تطالب الدول النامية بتمويل يصل إلى 1.3 تريليون دولار سنوياً؛ لتغطية احتياجاتها المناخية، بينما تكتفي الدول المتقدمة بعرض بضع مئات من المليارات، ما يعكس فجوة مالية شاسعة بين الطموح والالتزام، ويحاول المفاوضون جاهدين سد هذه الفجوة، وتحقيق توازن يرضي جميع الأطراف، لكن الغموض الذي يكتنف المسودة، وعدم وضوح الالتزامات المالية يجعل التوصل إلى اتفاق شامل أمراً أكثر تعقيداً.
وبموجب «اتفاقية باريس للمناخ»، والتي دخلت حيز التنفيذ عام 2020، فقد التزمت الدول الغنية بمساعدة الدول الفقيرة عبر الدعم الفني لإنتاج الطاقة عبر المصادر المتجددة، كما التزمت تلك الدول بتقديم الدعم المالي والفني لمساعدة الدول النامية على التكيف مع الأضرار والخسائر المترتبة عن التغير المناخي، بما في ذلك الظواهر الجوية القصوى والظواهر البطيئة الحدوث، ويشمل ذلك توفير نظم الإنذار المبكر، والاستعداد للطوارئ، وتسهيلات التأمين ضد المخاطر، وغيرها.
ومع ضمان التزام الدول الغنية بتقديم 100 مليار دولار على الأقل سنوياً لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة التغير المناخي، يبدو أن الدول الغنية ملتزمة بمضمون اتفاقية باريس بخصوص التمويل، لكن الخبراء المستقلين أكدوا الحاجة إلى تريليون دولار على الأقل لمساعدة الدول النامية في مواجهة التحديات المناخية. وفي الواقع، أن الدول النامية لا تملك الإمكانيات اللازمة لتمويل عملية التغيير نحو البيئة الخضراء، فهذه العملية تتطلب مبالغ طائلة، تشمل التحول من الاقتصاد القائم على الطاقة الأحفورية، إلى اقتصاد يعتمد على مصادر الطاقة النظيفة مثل: الهيدروجين والطاقة الشمسية والطاقة النووية، وكل هذه المصادر تحتاج إلى تمويل كبير.
إن تراجع الدول الغنية عن التزاماتها سوف يعوّق بلا شك، العمل المناخي الدولي ولن تنجح «مؤتمرات الأطراف» لأن الدول النامية سوف تتفاوض مع الدول الغنية على لا شيء، فلا بد من الشفافية في الالتزامات المالية، لأن غياب الشفافية يمثل صفعة على وجه الفئات الأكثر ضعفاً، ومن هنا يتعين على الدول المتقدمة أن تقدم مقترحات مالية جادة، وأن تكون أكثر سخاءً في تمويل عملية التغير المناخي الدولي، لأن شعوب هذه الدول سوف تكون متضررة من تغير مناخ الأرض، ولذلك فالخطر يُهدد الجميع، والدول الفقيرة لا تملك الموارد المالية الكافية لتمويل عملية التنمية الشاملة لشعوبها، فكيف يمكن لها أن تتحمل المزيد من النفقات لتمويل عملية التغير المناخي الشامل.
إن الكرة اليوم في ملعب الدول المتقدمة، فإن هي نظرت نظرة عادلة إلى الواقع المناخي في الأرض، وأنها كانت هي السبب الرئيس في وصول المناخ إلى ما وصل إليه، فإنها سوف تبادر إلى تقديم المساعدة المالية للدول التي تحتاجها، بغض النظر عن الخلافات السياسية الموجودة بين بعض الدول المتقدمة وبعض الدول النامية، فالجميع سيغرقون في لهيب الطبيعة، التي لن تميز بين الغني والفقير.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/427u82bc

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"