تحقيق: راندا جرجس
تصيب الأنفلونزا الموسمية نحو مليار حالة سنوياً، بما في ذلك 3-5 ملايين حالة مرض وخيم، وتؤدي إلى وفاة أشخاص بمعدل يتراوح من 290 ألفاً إلى 650 ألفاً مرتبطة بالجهاز التنفسي سنوياً، وتستأثر البلدان النامية بنسبة 99% من وفيات الأطفال دون سن الخامسة من المصابين بعدوى الجهاز التنفسي السفلي المرتبطة بالإنفلونزا، وتبدأ الأعراض بعد 1-4 أيام من حدوث الإصابة، وتستمر عادة قرابة الأسبوع، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وفي السطور القادمة يتحدث الخبراء والاختصاصيون عن هذه الموضوع تفصيلاً.
يقول د.أيمن فكري، أخصائي طب الأطفال، إن مرض الإنفلونزا من المشكلات الشائعة التي يمكن أن تصيب الأشخاص من مختلف الأعمار على مدار العام، لكنها تتزايد على الأكثر خلال فصل الشتاء، ونتيجة عدم الالتزام بالعادات الصحية والتغذية والاحتياطات الوقائية اللازمة.

ويضيف: يتميز فيروس الإنفلونزا بالتغير المستمر في حمضه النووي، ما يتسبب في طفرات جينية مستمرة، تؤثر في الاستجابة المناعية للجسم عند العدوى مرة أخرى، وينجم عنها حدوث أوبئة مثل: إنفلونزا الطيور أو الانفلونزا الاسبانية، وبالتالي زيادات كبيرة في عدد الحالات المصابة وشدتها سنوياً.
يوضح د.فكري أن الاختلاط بالذين يعانون الحمى، السعال، الكحة، العطس، والرزاز التنفسي، من أهم أسباب الإصابة بالإنفلونزا، كونها تنتقل بسهولة من الشخص المصاب إلى الآخرين، خصوصاً عند لمس الأسطح الملوثة بالإفرازات، وتتراوح فترة الحضانة من التعرض للمرض إلى ظهور العلامات على شكل حمى شديدة وألم في الحلق، كحة، سيلان، احتقان في الأنف، صداع، ألم في الجسم والعضلات، قيء، إسهال مع آلام في البطن، من يوم إلى 4 أيام، ويعتمد التشخيص على التاريخ المرضى والفحص السريري وشكوى المريض، والاختبارات كمسحة الأنف لتأكيد وجود فيروس الإنفلونزا في الأغشية المخاطية.
ويتابع: تجدر الإشارة إلى أن الأعراض تتشابه إلى حد كبير مع الإصابة بنزلة البرد البسيطة لكنها أشد وأخطر، مع احتماليه أكبر للمضاعفات، كونها تتسم بانها مُعدية وسريعة الانتشار، وتؤدي إلى الحمى الشديدة، وإصابة الجهاز التنفسي العلوي أو السفلي أو كلاهما، والتعرض للالتهاب الرئوي المزمن، وربما تتطور لآلام في العضلات مع عدم القدرة على المشي، وتحتاج بعض الحالات إلى التدخل الطبي العاجل في المستشفى.
ينصح د.فكري، بضرورة إعطاء الطفل لقاح الإنفلونزا كوقاية للجميع، وخاصة للفئات المستهدفة أكثر من غيرها مثل: الأطفال تحت سن 5 سنوات وكبار السن فوق 60 سنة والحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة والعاملين في القطاع الصحي.
ويشير إلى أن الوقاية الصحية من الفيروس تكمن في الاهتمام بالعادات الصحية، كغسل الأيدي وتغطية الفم والأنف عند العطس والسعال، والتغذية السليمة التي تعتمد على شرب السوائل الكافي وتناول الفاكهة والخضراوات التي تحتوي على الفيتامينات والمعادن، ما يمد الجسم بالطاقة اللازمة ويعزز مناعة الجسم ومقاومة الأمراض، كما يجب الراحة في المنزل لتجنب عدوى الآخرين، والابتعاد عن الاختلاط بالمرضى.
يشير د.فكري أن علاج الإنفلونزا يعتمد على مضادات الفيروسات، وينصح بتناوله خلال 48 ساعة من الإصابة، وخافض الحرارة مع الكمادات الباردة لتقليل درجة الحرارة، مع ضرورة الراحة في المنزل من يومين إلى 5 أيام، والتغذية الصحية مع الإكثار، وتناول السوائل والمشروبات الدافئة مع الأكل الصحي، وعدم الاختلاط بالأطفال الآخرين وكبار السن لتجنب نشر العدوى، ومراجعة طبيب الأطفال لعمل الفحوص اللازمة ووصف العلاج المناسب، وتجنب عدم الاستعجال في إعطاء المضادات الحيوية عند ارتفاع درجة الحرارة، إلا في حالة تأكيد الإصابة بعدوى بكتيرية.
أنماط
يذكر د.رحمن شفيق، أخصائي طب الأسرة، أن فيروس الإنفلونزا ينقسم إلى أربعة أنواع مختلفة (A,B,C,D)، وينتشر نمطا (A,B) ويسببان أوبئة موسمية للمرض، وتفشي عدوى الجهاز التنفسي بشكل دوري، ويشمل النوع A أكثر من 130 نوعاً فرعياً، وعدة أنواع فرعية من الفيروس B، وعادة ما تظهر أعراض الإنفلونزا بشكل مفاجئ خلال يومين أو ثلاثة أيام، ويمكن أن تستمر لفترة أسبوع.
ويضيف: تؤثر الإنفلونزا في عدد كبير من الأشخاص في وقت قصير، وخاصة في المدارس أو أماكن العمل، وتنتشر الإصابة بالعدوى خلال أسبوعين أو ثلاثة، ويرافقها ارتفاع درجة الحرارة، التي تتراوح عادة بين 39 و41 درجة مئوية، وتكون الحمى عند البالغين عادة أقل حدة مقارنة بالأطفال وتنحسر تدريجياً ما بين اليوم الثاني والرابع، كما تشمل العلامات آلاماً في الجسم، شعوراً بالقشعريرة، الدوار، الصداع، انخفاضاً في مستوى الطاقة، الغثيان والقيء، السعال الجاف، سيلان الأنف، العطس، التهاباً في الحلق.

ويلفت د.شفيق إلى أن غالبية الأعراض تختفي عادة خلال 4 إلى 7 أيام، ويستمر السعال والإرهاق لعدة أسابيع، وفي بعض الحالات تعود الحمى بشكل مؤقت، ويفتقد المريض الشهية، كما تتسبب الإصابة في تفاقم بعض الأعراض، مثل: الربو، مشكلات التنفس، أو المشكلات المزمنة الأخرى كالقلب، داء السكري، أمراض الكلى، الكبد، الجهاز العصبي، أو العضلات، اضطرابات الدم مثل فقر الدم المنجلي، ويتم الكشف عن فيروس الإنفلونزا من خلال أخذ مسحة من الأنف أو الحلق.
إن معالجة فيروس الإنفلونزا تعتمد على الأدوية اللازمة لتخفيف الحمى إلى المستوى الطبيعي، ويمكن أن تكون قطرات السعال أو بخاخات الحلق مفيدة في تخفيف التهاب الحلق، كما يجب الحصول على قسط كافٍ من الراحة وشرب كميات كبيرة من السوائل، وتجنب التدخين واستهلاك الكحول خلال فترة العلاج.
الإنفلونزا المعوية
يوضح د.محمد شفيق، أخصائي الطب الباطني، أن الإنفلونزا المعوية (التهاب المعدة والأمعاء الفيروسي) يحدث نتيجة عن عدوى فيروسية، ويرافقها مجموعة من الأعراض مثل: الإسهال المائي، الغثيان والقيء، تقلصات وألم في البطن والعضلات، الحمى، الإرهاق والتعب، جفاف الفم أو الدوخة أو انخفاض التبول، وتعتبر هذه الإصابة شديدة العدوى وتنتشر من خلال ملامسة الطعام أو الماء أو الأسطح الملوثة.
ويضيف: هناك فئات معينة أكثر عرضة للخطر، مثل: الرضع والأطفال الصغار، كبار السن، والذين يعانون ضعفاً في جهاز المناعة، والأفراد في أماكن الاتصال الوثيق مع المرضى مثل المدارس أو دور رعاية المسنين أو دور الرعاية النهارية للأطفال.

يذكر د.شفيق أن الإنفلونزا المعوية من المشكلات الشائعة التي تنتشر من خلال الطعام أو الماء أو الأسطح الملوثة، والاتصال الوثيق بالمصابين، وتحدث نتيجة الفيروسات، ومنها: نوروفيروس المسبب الأكثر شيوعاً عند البالغين، وفيروس الروتا مسبب متكرر عند الأطفال، وأنواع أخرى مثل الفيروس الغدّي والفيروس النجمي.
ويتابع: يتضمن التشخيص، مراجعة أعراض المريض وتاريخه الطبي، الفحص البدني للمريض لتقييم مستوى الجفاف أو عدم الراحة في البطن، الاختبارات المعملية، مثل تحليل البراز، إذا لزم الأمر، لاستبعاد العدوى البكتيرية أو الطفيلية.
ويلفت د.شفيق أن التهاب المعدة والأمعاء الفيروسي لا يوجد له علاج محدد حتى الآن، وعادة ما يُشفى المريض من تلقاء نفسه، وتركز طرق التداوي على إدارة الأعراض، وتشمل: شرب الكثير من السوائل أو محاليل الترطيب عن طريق الفم لمنع الجفاف، الحصول على القدر الكافي من الراحة للسماح للجسم بالتعافي، التعديلات الغذائية، وتناول الأطعمة الخفيفة وسهلة الهضم كالموز وعصير التفاح والخبز المحمص، الأدوية الطبية للحمى أو الألم أو الغثيان تحت إشراف الطبيب.
اللقاح الطريقة الفعالة للوقاية
توصي مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، بضرورة حصول الأشخاص، من الصغار الذين تبلغ أعمارهم 6 أشهر وما فوق على لقاح الإنفلونزا السنوي، وبشكل أساسي لذوي المناعة الضعيفة، مثل: المسنين، مرضى داء السكري، والربو، والفشل الكلوي، وغيرها من الأمراض المزمنة.
تفيد اللقاحات في تخفيف حد المرض، ويقلّل من فرصة حدوث مضاعفات والوفاة، ولذلك يوصي به بشكل سنوي، للنساء الحوامل، الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 أشهر و5 أعوام، ومن تزيد أعمارهم على 65 عاماً، ومقدمي الرعاية الصحية.
وينصح خبراء الصحة بالالتزام بالإرشادات والعادات الصحية، للوقاية من فيروس الإنفلونزا والتي تتمثل في: تنظيف اليدين بشكل متكرر بالماء والصابون وتجفيفهما بانتظام، خاصة بعد استخدام الحمام أو قبل تناول الطعام، تغطية الفم والأنف عند العطاس والسعال، تطهير الأسطح والمواد، خاصة في الأماكن المشتركة، التخلص من المناديل بشكل صحيح، البقاء في المنزل عند الشعور بالتعب والتوعك، تجنب الاتصال الوثيق بالأشخاص المصابين، عدم لمس العينين والأنف والفم، شرب مياه نظيفة وآمنة وتجنب الأطعمة الملوثة.