نحن والنوافذ

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

ما نعنيه بالنوافذ هنا، هي نفسها التي في بيوتنا أو مكاتب عملنا أو في فنادق نقيم فيها أثناء السفر. لا بأس لو أضفنا إليها نوافذ الطائرات مما يروق للبعض أن يجلسوا بجوارها. قبل أيام قليلة أهدتني مكتبة «صوفيا»، وهي مكتبة كويتية لها فرعان في البحرين، كتاباً عنوانه «نوافذ على العالم». ليس العنوان الرئيسي وحده ما جذبني. ما جذبني أكثر العنوان الفرعي الشارح لمحتوى الكتاب: «خمسون كاتباً وخمسون مشهداً». 
الفكرة بمقدار ما تبدو بسيطة، فإنها جاذبة جداً؛ فالكتاب عبارة عن شهادات قصيرة ومكثفة كتبها خمسون كاتباً ورسّاماً، من الجنسين، من مختلف بلدان العالم، بينهم كتّاب وكاتبات عرب، جمعها الإيطالي ماتيو بيريكولي، وترجمها إلى العربية سيف سهيل، حكوا خلالها عما يشاهدونه من نوافذهم.
علينا إذن تخيّل أننا إزاء خمسين مشهداً مختلفاً عن الآخر، فمهما كانت درجة التشابه في الأشياء التي يراها الناس من النوافذ مباشرة، أو عبر زجاجها، فهي ليست نفسها، فقد لا يعدو ما يراه كتّاب مختلفون موزعون على مدن مختلفة، في بيروت مثلاً أو ميلانو أو إسطنبول، مجرد عمارات مقابلة للعمارة التي تقع الشقق التي يقيمون فيها قبالتها، ولكنها ليست العمارات نفسها في الشكل وفي التفاصيل، ما ييسر للقارئ التطواف في تلك التفاصيل بالذات، والعبرة هنا ليست في تنوعها، وإنما تنوع النظرة التي من خلالها يراها كل كاتب ورسّام.
اختار مترجم الكتاب ألا يكتب لترجمته مقدمة. فضّل أن يضيف شهادته إلى الشهادات الخمسين التي تضمنها الكتاب، ليقول لنا، إنه يعيش «في غرفة ضيقة مليئة بكتب ولوحات وأغراض شتى، بها نافذة يحجبها، إلا فيما ندر، بستارة»، يزيحها أحياناً فقط ليتذكر «أن الأصابع تتلامس مع الخارج وما تبقى من النسيان».
حملني حرص المترجم على حجب نافذته بستارة إلى تذكر عبارة منسوبة إلى فيخته، وفيها يقول: «أنْ تكون حراً فهذا أمر لا معنى له، أما أن تصبح حراً فتلك هي الجنة بعينها»، وإلى هذه العبارة عاد كولن ويلسون وهو يتحدث عن سعي الإنسان الدائم لاكتساب حريته، فلا طعم للحرية إلا حين تأتي بعد انعتاق، أن نعتق من قيد أو من التزام أو من رتابة أو من أي أمر آخر يقيد أو يعيق حريتنا.
في اللحظة التي يمارس فيها الإنسان انعتاقه تنفتح الأبواب الداخلية في نفسه، فيرى سهولاً لا نهاية لها، وتمتدّ حريته «مثل فسحة واسعة أمام كاتدرائية»، بتعبير ويلسون ذاته. حين يعتاد المرء أمراً ولا يفارقه ينغلق الفكر. يتثاءب أولاً ثم يستغرق في النوم؛ لأنّ الحرية مازالت «هناك» خلف نافذة الغرفة، حتى لو أسدلت على هذه النافذة الستائر.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yncaykzz

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"