تحقيق: راندا جرجس
تتمثل وظيفة القولون الأساسية في امتصاص الماء والأملاح المتبقية من الطعام المهضوم في الأمعاء الدقيقة، وتكوين البراز وتخزينه قبل التخلص منه، كما يحتوي على بكتيريا نافعة تساعد في عملية الهضم وتحافظ على صحة الجهاز الهضمي، لكن في بعض الأحيان يمكن أن يتعرض لبعض المشكلات التي تفسد راحته، مثل: متلازمة القولون العصبي، الاتهاب التقرحي، داء كرون، والسرطان، وفي السطور التالية يسلط الخبراء والاختصاصيون الضوء على البعض منها، وطرق الوقاية والعلاج.
تقول د. سندس السلامي، أخصائية طب الأسرة: «تتمثل أسباب إصابات القولون في التوتر والضغوط النفسية، والنظام الغذائي غير الصحي، كالإفراط في تناول الأطعمة الغنية بالدهون أو المنخفضة بالألياف، وقلة شرب الماء، والالتهابات البكتيرية أو الفيروسية، وتناول بعض الأدوية مثل المضادات الحيوية أو المسكنات، كما تلعب العوامل الوراثية دوراً مهماً في زيادة فرص الإصابة».
وتضيف: «تشمل أعراض وجود مشكلة من خلال ظهور آلام أو تقلصات في البطن، وتغير في عادات الإخراج (إمساك أو إسهال)، وانتفاخ البطن والغازات، والشعور بعدم إفراغ الأمعاء بالكامل، وحدوث نزيف مع البراز (في الحالات المرضية الخطيرة)، ويتم التشخيص بالفحص السريري، وتحليل البراز، والتنظير، والتصوير بالأشعة السينية أو الأشعة المقطعية، واختبارات الدم للكشف عن الالتهابات أو فقر الدم».
وتذكر د. سندس السلامي أن الحفاظ على صحة القولون والحد من المشكلات، يعتمد على اتباع نظام غذائي غني بالألياف، مثل الفواكه، والخضروات، والحبوب الكاملة، وشرب كمية كافية من الماء يومياً، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وتقليل التوتر والضغوط النفسية، وتجنب الأطعمة المهيجة للقولون مثل المشروبات الغازية والأطعمة الدهنية، وتناول الوجبات بانتظام وبكميات صغيرة.
وتتابع: يجب على المرضى الذين يعانوا من مشكلات، الالتزام بتناول الأدوية الموصوفة من قبل الطبيب مثل مضادات التشنج أو الملينات أو الأدوية المضادة للالتهاب، وعلاج الالتهابات إذا كانت السبب، أما الحالات المزمنة مثل: السرطان، فيتطلب الأمر جراحة أو علاجاً كيميائياً أو إشعاعياً، كما تستلزم المتابعة المستمرة مع أخصائي الجهاز الهضمي للحصول على البروتوكول الطبي المناسب للمريض.
متلازمة شائعة
يذكر د. نذير الأحمد، أخصائي الجهاز الهضمي، أن متلازمة القولون العصبي من الحالات الشائعة التي تحتاج إلى إدارة طويلة الأمد، وتؤثر على المعدة والأمعاء، وتشمل الأعراض التشنج، وألم البطن، والانتفاخ، والغازات، والإسهال، والإمساك، أو كليهما، وعلى الرغم من قدرة بعض المرضى على التحكم في الأعراض من خلال إدارة النظام الغذائي ونمط الحياة والضغط النفسي، عدد قليل من الأشخاص يعانون من علامات حادة، ويتم علاج الحالات الأكثر خطورة بالأدوية والاستشارة، وتجدر الإشارة إلى أن القولون العصبي لا يسبب تغيرات في أنسجة الأمعاء أو يزيد من خطر الإصابة بالسرطان.
ويشير د. الأحمد إلى أن القولون العصبي يمكن أن يستهدف الأشخاص في أي عمر، ويبدأ في سنوات المراهقة أو مرحلة البلوغ المبكر في الكثير من الأحيان، ويداهم النساء أكثر من الرجال، وعلى الرغم من عدم وجود أسباب محددة حتى الآن لهذه المشكلة، إلا أن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تلعب دوراً في زيادة فرص الإصابة، ومن بينها:
- تقلصات العضلات في الأمعاء، الانقباضات القوية والتي تستمر لفترة طويلة، وتسبب الغازات والانتفاخ والإسهال، وتؤدي الانقباضات الضعيفة إلى إبطاء مرور الطعام، وبراز جاف وصلب.
- تسبب مشاكل الأعصاب في الجهاز الهضمي عدم الراحة عندما تمتد منطقة البطن، ويمكن أن تؤدي الإشارات المنسقة بشكل سيئ بين الدماغ والأمعاء إلى المبالغة في رد فعل الجسم للتغيرات التي تحدث عادة في عملية الهضم، ما يؤدي إلى الألم والإسهال أو الإمساك.
- يمكن أن يتطور مرض القولون العصبي بعد نوبة شديدة من الإسهال الناجم عن عدوى بكتيرية أو فيروسية، كما يرتبط بوجود فائض من البكتيريا في الأمعاء، يُعرف باسم فرط نمو البكتيريا.
- التغيرات في ميكروبات الأمعاء (البكتيريا والفطريات والفيروسات) وتلعب دوراً رئيسياً في الصحة، وتشير الأبحاث إلى أن الميكروبات الموجودة لدى الأشخاص المصابين بالقولون العصبي قد تختلف عن تلك الموجودة لدى الذين لا يعانون من نفس المرض.
يبين د. الأحمد أن التشخيص يعتمد على التاريخ الطبي والفحص البدني واختبارات استبعاد الاضطرابات الهضمية ومرض التهاب الأمعاء، والاطلاع على الأعراض مثل: آلام البطن والانزعاج المرتبط بالتغوط، أو تغير في تماسك البراز، وعدم الراحة بمعدل يوم واحد على الأقل في الأسبوع خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
يلفت د.الأحمد إلى أن الإسهال والإمساك الذي يحدث مع القولون العصبي يمكن أن يتسبب في الإصابة بالبواسير، ولذلك يجب على المريض زيادة الألياف في النظام الغذائي، وتقليل منتجات الألبان، والأطعمة المسببة للغازات مثل: الفاصوليا وكرنب بروكسل والملفوف والمشروبات الغازية، وشرب الكثير من الماء، وممارسة الرياضة بانتظام، وتعتمد طرق التداوي على إدارة الأعراض، بالعلاج السلوكي المعرفي، والأدوية المضادة للاكتئاب، وتخفيف الإمساك، ومضادات الإسهال، وعلاج التشنجات المعوية.
تغييرات متعددة
يذكر د. وليد العمر، أخصائي الطب النفسي أن التوتر والقلق والاكتئاب يؤثر على القولون من مسار اتصال ثنائي الاتجاه، يربط بين الدماغ والجهاز الهضمي، وبالتالي يكون حساس للإشارات التي يوفرها العصب المبهم وهرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، وتطرأ تغييرات متعددة عندما يتعرض الجسم للضغوط الاجتماعية والنفسية، وأبرزها مشكلات في حركة الأمعاء كالإسهال، الإمساك، تشنجات العضلات بشكل عشوائي، ما يؤدي إلى تقلصات مزعجة وعدم شعور بالراحة، وربما يتسبب التوتر المزمن في التهاب الأمعاء وتفاقم القولون العصبي.
يوضح د. العمر أن هناك فئات معينة من الناس أكثر حساسية لآثار التوتر الاجتماعي والنفسي، وأبرزهم الذين يعانون من مستويات عالية من التوتر المزمن أو القلق لفترة طويلة، بسبب المشكلات المالية أو النزاعات الشخصية، ومن لديهم تاريخ عائلي من اضطرابات الجهاز الهضمي، كمتلازمة القولون العصبي أو مرض التهاب الأمعاء، ومن لديهم ردود فعل معوية أعلى تجاه الضغوطات العاطفية أو البيئية.
ويضيف: يتأثر بمشكلات القولون أيضاً الذين يعانون من آليات تأقلم غير صحية، ولا يمارسون الاسترخاء أو الرعاية الذاتية الجيدة ولا يحصلون على النوم الكافي، كما يؤدي الإفراط في تناول الطعام وتخطي الوجبات والاعتماد على الكافيين أو المواد الأخرى للتعامل مع التوتر إلى مفاقمة الحالة.
ينصح د. العمر بتقليل الضغوط الاجتماعية والنفسية لتعزيز صحة القولون وتجنب المشكلات طويلة الأمد، وإدارة التوتر بممارسة تقنيات استرخاء العضلات التدريجي، والتأمل الذهني وتمارين التنفس العميق ورياضة المشي واليوجا، وتخصيص وقت للانخراط في أنشطة مثيرة للاهتمام بشكل منتظم والنوم الكافي، وتجنب الأطعمة الغنية بالتوابل والمشروبات التي تهيج الجهاز الهضمي، وتضمين الفواكه والخضروات الغنية بالألياف والحبوب الكاملة والبروتينات الخالية من الدهون في النظام الغذائي، كما يجب الحافظ على الترطيب عن طريق شرب الكثير من الماء طوال اليوم.
العادات الصحية.. ملاذ آمن
تشير اختصاصية التغذية، سينثيا بو خليل، إلى أن صحة القولون ترتبط بشكل وثيق بخيارات نمط الحياة، ولذلك فإن العادات الخاطئة يمكن أن تؤثر سلباً على أجهزة الجسم، ومنها: استهلاك الكثير من اللحوم الحمراء والأطعمة المصنعة التي تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة وقليلة الألياف، ما يتسبب في زيادة خطر الإصابة بالأورام الخبيثة، كما يؤدي عدم تناول الألياف أو الفواكه أو الخضار إلى خلل تنظيم حركات الأمعاء الإمساك وسوء صحة الأمعاء، وتقليل الالتهاب وتغذية بكتيريا الأمعاء المفيدة، كما يزيد التدخين من الالتهاب، وينجم عن الإفراط في شرب الكحول إتلاف بطانة القولون، ويزيد نمط الحياة الخامل وعدم ممارسة الرياضة من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، كما تم ربط أنماط النوم المتقطعة بزيادة خطر الإصابة باضطرابات الجهاز الهضمي المختلفة.
وتلفت سينثيا بو خليل إلى ضرورة الحد من بعض الأطعمة الضارة بالقولون، مثل: اللحوم الحمراء واللحوم المصنعة الغنية بالدهون غير الصحية والصوديوم والمواد الحافظة، ويمكن أن تعطل عملية الهضم وتسبب الالتهاب، واستبدالها بالبروتينات الخالية من الدهون مثل الدواجن والأسماك والخيارات النباتية، ويجب اعتماد طريقة الطهو المشوية أو المخبوزة أو المطبوخة على البخار والابتعاد عن المقليات للحد من الدهون المتحولة والالتهاب، أما الكربوهيدرات المكررة منخفضة الألياف فتسبب الإمساك، ولذلك يجب مد الجسم بالحبوب الكاملة مثل الشوفان والأرز البني والقمح الكامل.
وتذكر أن منتجات الألبان يمكن أن تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي لبعض الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمل اللاكتوز، كما يؤدي استهلاك السكر والمُحليات الصناعية في تعطل بكتيريا الأمعاء، لذلك يجب الحد منها، كما تتسبب الإضافات الصناعية في تهيج الجهاز الهضمي، ويُنصح بشرب الكثير من الماء طوال اليوم للمساعدة في الهضم ومنع الإمساك، وممارسة النشاط البدني لتحفيز وظيفة الأمعاء الصحية، لتقليل خطر الإصابة بالسرطان.