عادي
تخرج أحياناً عن سياق المحتوى المسؤول

مجموعات المحادثة.. ساحة غير محكومة الضوابط

01:31 صباحا
قراءة 8 دقائق

تحقيق: جيهان شعيب

الفضفضة تخفف الضغوط عن النفس، وتروح من وطأة الأعباء، فتبادل الأحاديث الهادئة المتزنة المنضبطة المتوازنة في الأمور الحياتية المتنوعة، والتشارك في الرأي، وأخذ النصيحة الصادقة، المخلصة، يحقق التآلف، ويعزز الترابط، ويخلق أجواء آمنة، ومطمئنة، ومريحة.
والحديث هنا يتعلق ببعض «مجموعات المحادثة» على مواقع التواصل، أو المجموعات التي تحمل مسمّيات مختلفة، وتنشئها واحدة أو أكثر، وتضم كثيرات، خاصة على تطبيق «واتساب»، حيث تحولت إلى ساحات لإيقاع المشكلات داخل البيوت وخارجها.
أضحت الظاهرة أرضية للغيبة والنميمة، وللإساءات، ونشر الشائعات، بعدما تخرج أحياناً عن السياق في المحتوى المتداول، بالأحاديث الهوجاء، غير محسوبة العواقب، والدردشات غير المسؤولة، واللغط الفارغ، وأضحت في ذلك بمنزلة قنابل موقوتة، تهدد بالانفجار.
والتحالفات النسائية في بعض المجموعات، إن جاز القول، إذ ربما هو المسمّى الصحيح لبعض هذه «المجموعات»، التي عدَّت عضواتها أنفسهن خبيرات بالشؤون المجتمعية على اختلافها، وعملن على مناقشة قضايا حساسة، ذات خصوصية، وأمور ينبغي عدم تناولها. بانتقادهنّ قرارات أصدرتها هذه الجهة أو تلك، أو الكيل لهذا المسؤول أو ذاك، أو رفض خطوة ما خطتها دائرة أو هيئة، أو التشكيك في أحقية فلانة أو تلك لمنصبيهما، وغير ذلك، بما يؤدي إلى إشاعة الفتنة، وإثارة البلبلة، لمضامين هذه الأحاديث التي تتسرب من نطاق الموقع أو التطبيق الإلكتروني الدائر في فلك الفضاء المفتوح، إلى الواقع المعيش.
وقائع مختلفة
ولنا في السرد دليل على تجاوزات بعض هذه «المجموعات»، ففي إحداها وتضم مجموعة من أمهات الطالبات، اشتكت أم طالبة لعضوات «المجموعة» من معلمة عنّفت ابنتها بالقول، لتقاعسها الدراسي، فثرن عدا قليلات، وطالبتها إحداهنّ بالتقدم بشكوى لإدارة المدرسة، لتشدد عليها أخرى بضرورة السعي وراء إنهاء خدمات تلك المعلمة، التي علت نبرات الإساءة لها، من معظم عضوات «المجموعة»، رغم عدم معرفتهنّ بها، وتحالفن في ذلك على قطع رزقها.
وعلى الجهة المقابلة وفي «مجموعة» أخرى روت إحدى الأمهات أن المعلم الخصوصي لابنها كفوء في مادته، إلا أنه يتقاضى رسماً مادياً مرتفعاً، وعلى الفور طلبت أخرى من زوجها الاستعانة بهذا المعلم لتدريس ابنهما، رغم علمها بضعف مدخولهما عن إمكانية ذلك، وبالطبع رفض الزوج، فثار بينهما الخلاف، والأمر في ذلك تكرر مع أكثر من عضوة مع أزواجهنّ.

1


هدية عيد ميلاد
وعبرت «مجموعة» كانت تضم عدداً من الصديقات، اقترحت إحداهنّ جمع مبلغ لشراء هدية عيد ميلاد لأخرى، في حين لم يرغبن جميعاً في المساهمة لأسباب مختلفة منها مالية، وأخرى لعدم التوافق مع تلك الصديقة، ووقع الخلاف بينهنّ، وتحول الأخذ والرد، إلى تبادل الاتهامات بالبخل، والحقد، والغيرة، وخرجت مشاحنات عضواته إلى خارجه. وعلى التوازي، وفي «مجموعة» مماثلة، ألقت عضوة مزحة على أخرى بشكل غير لائق، فشعرت الأخيرة بالإهانة، ولم تأخذ الأمر على محمل حسن النية، ونشبت بينهما مشاجرة تضمنت ألفاظاً غير مقبولة، ووصل الأمر إلى شكوى كل منهما على الأخرى، إلى الجهات الشرطية، متهمة كل منهما الأخرى بسبّها وقذفها. 
رقيبات
وهنا عضوات في إحدى «المجموعات» نصّبن أنفسهن رقيبات وحسيبات على وضع السوق ومجرياته، وعملن على توجيه النصح بعدم شراء السلعة الفلانية لارتفاع سعرها من دون سبب، والتصدي لهذا التاجر دون غيره، ما أسهم في إحداث حالة من عدم التصديق، والتشكيك.
ومن جانب آخر اتخذت عضوات من «المجموعة» وسيلة للتنمّر والاستهزاء، بأخريات لسن عضوات فيها، وانصبت أحاديثهنّ على التندر بهنّ، وسرد وقائع ملفقة عنهنّ، إلى أن وصلت تلك الأقاويل إلى آذان المتضررات، فاشتعلت الخلافات، ووقعت التوترات، وتصاعدت، إلى حد وصول بعضها إلى ساحات الجهات المختصة.

قضية تشهير
وفي جولة بحثية عن بعض المشكلات التي أثارتها «المجموعة» في الدول المختلفة، وقفنا على قضية تشهير شهدتها مصر عام 2020، تتعلق بمجموعة نسائية على موقع «فيسبوك»، خصصت لتبادل قصص عن تجارب سيئة مع الرجال، خاصة التحرّش أو سوء المعاملة، ونشرت بعض العضوات أسماء رجال متهمين من دون أدلة قاطعة، ما أدى إلى دعاوى قضائية على بعضهنّ بتهمة التشهير، وأثارت القضية جدلاً واسعاً في حدود الحرية الشخصية، ومسؤولية استخدام الإنترنت.
وفي الهند، استُخدمت بعض «المجموعات» النسائية على «واتساب» لنشر معلومات مغلوطة عن حالات طبية وأخبار كاذبة، وفي إحدى الحالات، أدى تداول معلومات غير صحيحة عن لقاح فيروس «كورونا» إلى رفض بعض النساء في قرى هندية أخذ اللقاح، ما أدى إلى تفشي الفيروس في تلك المناطق.
مشكلات زوجية
وفي إحدى الدولة الخليجية المجاورة، أسهمت مجموعة نسائية على تطبيق «سناب شات» في تفاقم المشكلات الزوجية بين سيدة وزوجها، بعدما شجعتها عضواتها على الطلاق، بعد سردها لهنّ بعض الخلافات الخفيفة مع زوجها، ما أدى لاحقاً إلى ندم المرأة، عدا زوجة أخرى عبرت عن نفورها من زوجها بسبب سلوك خاص له معها.
وتباينت ردود عضوات المجموعة، بين من بررن له ذلك، وأوجدن عذراً لتصرفه، ومن رأين أنها يجب ألا توافقه على سلوكه، وتتصدى له، واحتدّت النقاشات بينهنّ، وانتهى الأمر بإيغار صدر الزوجة على زوجها، بعدما مال جانبها لمن أيدنها في النفور منه، وطلبت من فورها الطلاق، وهاج الزوج وماج، لشعوره بالإهانة من إفشائها أمراً شخصياً بينهما، وطلقها على الفور.
وفي دولة أخرى، انحرفت بعض المجموعات النسائية عبر «واتساب» عن نطاق الدردشة العادية إلى تبادل أسرار الأسر وأخبارها، بل واختلاق فضائح، حيث تداولن شائعة عن إقامة إحدى الزوجات المعروفة لبعضهن، علاقة غير شرعية مع أحد الرجال، وانتشرت الشائعة، وتوسعت دائرتها.
وخرجت من حيز النميمة على المجموعة إلى خارجها، ما تسبب في هدم حياة هذه الزوجة البريئة، بعدما تعرضت وأسرتها لتشهير مسيء، أدى كذلك لأذيّتها نفسياً، فيما ورغم تكذيب الشائعة لاحقاً، واتضاح اختلاقها، إلا أن الأمر كان خرج عن نطاق السيطرة على الظن السيّئ في تلك الزوجة، والتشكك في أخلاقها.
سلبيات عدة

0


ونتوقف هنا، لننظر في الآراء المجتمعية عن هذه الجروبات، والضوابط الواجبة لإحكامها، ترى نعيمة الزعابي، منشئة «مجموعة» نسائية لسيدات الأعمال على تطبيق «واتساب»، أن مجموعات الأمهات أولياء الأمور أصبح ضررها يفوق نفعها، قائلة: «الأمثلة كثيرة ومنها إجماعهنّ على غياب أبنائهنّ عن الدوام المدرسي في يوم محدد لسبب أو لآخر، وكذلك عندما تشتكي ولية أمر من إحدى المدرسات، تتحد جميع الأمهات في اتخاذ موقف من هذه المعلمة أو المعلم، دونما سبب». 
وقد تنشر إحدى الأمهات في «المجموعة»، أنه لا جدوى من أحد التطعيمات المفترض إعطاؤه للأبناء أو للبنات، ومن فورهن تتفق معها جميع الأمهات في رفض التطعيم، وتتولى مديرة المدرسة العمل على إقناع الأمهات، بضرورته وحتميته، كونه يصبّ في مصلحة الابن أو الابنة.
من مخاطر بعض «مجموعات» أولياء الأمور، أنها تتضمن محادثات خاصة، تشعل نيران الفتن في البيوت، حيث تتحدث بعض الأمهات عن حياتهنّ الزوجية، ومشترياتهنّ باهظة الثمن التي تحمل ماركات عالمية، وهنا تبدأ المشاكل الزوجية لمن لا تستطيع الشراء، وكذلك قد ينحدر الحديث إلى العنصرية، فتقول هذه أنا من قبيلة كذا، وتردّ الأخرى وأنا قبيلتي كذا، في ظل أن هذه «المجموعات» لا تحكمها ضوابط، أو التزامات، ما قد يؤدي إلى تبادل السباب أيضاً.
فقدان السيطرة
وتضيف: وفي بعض «المجموعات» تعمل بعض العضوات على طرح تحليلات مختلفة لقضايا ليست من شأنهن، فنرى مثلاً من تصنف تجارة ما بأنها ناجحة، مقابل وصفها لأخرى بالفشل، وتلجأ إلى إهانة أصحابها، وغير ذلك، فضلاً عن الحسد، والغيرة، والفتن.

2


وفندت الباحثة لمياء الزعابي، سلبيات «المجموعات» النسائية وإيجابياتها قائلة: «بعضها تلجأ إلى التحريض، أو الإزعاج برسائل في غير أوقاتها، أو بإرسال أخرى غير لائقة، وقد تتضمن إبداء عدم الاقتناع ببعض قوانين الدولة أحياناً، وقد تتدخل في بعض الأمور التي لا تعني العضوات، وكذلك قد تطرح بعض المعتقدات التي تفسر بطرق خطأ، وقد يجري تداول بعض الرسائل النصية، أو الروابط التي تأتي من مصادر غير معروفة أو صحيحة، أو موثوقة في الدولة، وأحياناً قد تضمن تعدي بعضهنّ على أخريات، ويستخدمن ألفاظاً غير لائقة».
وبالنسبة للشق الإيجابي، فوجودها يسهّل عملية التواصل بين أفراد المجتمع، ووصول المعلومات العامة بصورة سريعة، بعد تعميمها عن طريق «المجموعة»، خاصة المتعلقة بالواقع التعليمي في المدارس، وغير ذلك، لكن من الضروري وضع ضوابط لتلك «المجموعات» من المسؤولين عنها، بتحديد نوعية المحتوى المنشور، والفئة العمرية التي تنضم إليها، والالتزام باحترام الآراء المختلفة، وعدم تناول المحتوى المعارض للمجتمع، ومراعاة معتقدات الجنسيات الأخرى، ودولها، وعدم التقليل من أي منها.
يصعب التعميم

2


تقول الأم هالة مصطفى: «تزايدت في المرحلة الأخيرة «المجموعات» النسائية على مواقع التواصل، منها الدينية، والاجتماعية، وهناك «مجموعة» جديدة تسمي «الماميز» تكوّنها الأمهات في المدارس لتكون وسيله اتصال بينهم، لبحث المشكلات المدرسية، وتبادل الأخبار الخاصة بكل ما يتعلق بالمدرسة».وبالنسبة «للمجموعات» الدينية، فأكثرها يشجع على حفظ القرآن، وشرح معانيه، وكتابة الأدعية، وهو أمر جميل ونافع، أما إن خرج عن ذلك، ونشر جواً من السلبية، من الاعتراض على مجريات من الواقع، لا دراية لنا بأبعادها، وأهدافها، فهذا مرفوض تماماً. أما الاجتماعية، فمعظمها يتناول مواضيع الطبخ، والتجميل، وهي مقبولة، إن كانت تضم متخصصين في ذلك، لكن المشكلة تتركز في الوصفات التي تروج لبيعها بعض السيدات غير المتخصصات، من دون معرفة بمدى الضرر الذي يمكن حدوثه من آثارها الجانبية.
القول القانوني

2


وبالنسبة للرأي القانوني في الخروقات التي تأتي من المجموعات على مواقع التواصل، أوضحت المحامية مريم شامس، أن التحريض والتشويه من أبرز المخالفات المتداولة في بعض «مجموعات» الأمهات على «واتساب»، فيما يحظرها القانون الإماراتي، حيث يمكن أن تؤدي إلى قضايا تتعلق بالسب والقذف، وتتحمل العضوات فيها مسؤولية قانونية، وقد يتعرضن للمساءلة، عن المحتوى الذي يشاركنه، لاسيما إذا نشرن معلومات مضللة أو تحريضية. وقالت: «نشر المعلومات الخاصة عن الأفراد، من دون إذن انتهاك للخصوصية، ما يعرّض الأفراد لعقوبات مثل الغرامات، أو السجن بحسب خطورة الانتهاك، وكذا التحريض على الكراهية، أو العنصرية يمكن أن يؤدي إلى عقوبات تصل إلى السجن 5 سنوات، ونشر أخبار كاذبة، أو التشهير بالأفراد يُعَرِّض المخالفين لعقوبات قانونية، تشمل الغرامات والسجن».
العقوبات المقررة
وأضافت: «وبالنسبة للعقوبات، فالقانون الاتحادي رقم 5 لسنة 2012 في شأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات ينصّ على عقوبات تتعلق بالتحريض، والتشهير، وانتهاك الخصوصية، ويشمل ذلك استخدام مواقع التواصل، والقانون الاتحادي رقم 3 لسنة 1987 في شأن إصدار قانون العقوبات يتناول قضايا السب والقذف، ويحدد العقوبات المترتبة على تلك الأفعال».
والقانون الاتحادي رقم 2 لسنة 2015 في شأن مكافحة التمييز والكراهية يمنع التحريض على الكراهية، أو العنصرية، ويحدد العقوبات المناسبة، أما بالنسبة للوقائع، فقد سُجلت حالات عدّة لأشخاص جرت محاكمتهم بسبب نشر محتوى مسيء على مواقع التواصل، ما أدى إلى عقوبات مالية، أو الحبس.

 

احترام الثوابت

2

قال د. محمود يوسف، أستاذ العلاقات العامة والإعلام بكلية الإعلام جامعة القــــاهرة، إن الأخلاقــــيات تحتم أن تحترم مضامين مواقع التواصل الثوابت، والمفاهيم الدينية، وحق الخصوصية، والبعد تماماً عن الغمز واللمز، أو ما يعرف في بعض الممارسات الخارجة عن السياق بالتسريبات الإعلامية، مع ضرورة مراعاة مصلحة المجتمع، بمعنى عدم وضع مضمون في «الجروب» يؤدي إلى الاستفزاز الاجتماعي، أو العنصرية، والتجاوز، والتطاول، وأي عبارات تخدش الحياء، والذوق العام.

وأضاف: «من الأمثلة واقعة شهدتها مصر، قضت فيها المحكمة بسجن من أوقع الفتنة، والخلافات بين الناس، 15 عاماً، لإطلاقه شائعات معينة، كانت ضد مصلحة المجتمع؛ لذا من الواجب أن تكون المجموعات تحت مظلة التخصص، بألا تفتي إحداهنّ في الدين، أو في علم النفس، أو غيرهـــما، وهناك هيئات وجهات إعلامية متخصصة عليها مراقبة مثل هذه المجموعات، التي لا تخضــــع لأخلاقيات الإعــــلام، لانطـــوائها على صفة العلانية».

القول الشرعي

2

بالــوقوف علـــى الرأي الشرعي عن ما تأتـــي بـــه المجمـــوعات، قال الباحث الشيخ د. السيد البشبيشي: لا شك في أن مواقع التواصل، ومجموعاتها، أصبحت مما لا تستغني عنه الكثير من البيوت في زماننا؛ حيث قرّبت المسافات بين البشر، وسهّلت وصول المعلومة، ونشرت المزيد من العلوم، والفنون النافعة، وجعلت العالم قرية صغيرة من أقصـــاه إلى أقصاه.

ولكن المشكلة الرئيسية تكمن في دَخَنِها الذي صنعه البعض بأيديهم، حين حولوا النعمة إلى نقمة، والخير إلى شر، وزرعوا عبر منصاتهم وصفحاتهم فتناً، كادت تأكل الأخضر واليابس في عقول وبيوتات المسلمين؛ إذ أضحت ناشرة للشائعات، موقعة العداوة بين الأزواج والزوجات والأولاد، داعية إلى الإثارة لا إلى الإنارة! تروج للكلمة الخبيثة الساعية بالغيبة والنميمة.

فكم بها أرحام تقطعت، وأوصال تمزقت، ونساء طلقت، ودماء نزفت، وشرائع ضيعت، وكم من امرأة طلقها زوجها، أو قتلها أهلها، بسبب كلمة، أو منشور مغرض، كتبته إحدى النساء على مجموعة.

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"