التوسع الإسرائيلي في سوريا

00:20 صباحا
قراءة 4 دقائق

لم تكد تمر ساعات قليلة على سقوط النظام في سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول الماضي حتى سارع جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى استغلال الفراغ الأمني الناتج عن التطورات المفاجئة على الساحة السورية باجتياح المنطقة العازلة التي أنشئت وفقاً لاتفاقية فك الاشتباك بين سوريا وإسرائيل الموقعة يوم 31 مايو/ أيار 1974 والتي يبلغ طولها أكثر من 75 كيلومتراً فيما يراوح عرضها بين نحو 10 كيلومترات في الوسط و200 متر في أقصى الجنوب.
وهناك العديد من القرى السورية التي ما زالت داخل المنطقة العازلة وأبرزها قرى طرنجة، وجباتا الخشب، وأوفانيا، ومدينة البعث، والحميدية، والقنيطرة، وبئر العجم، وبريقه، والأصبح، والرفيد، والصمدانية الغربية، والقحطانية، وقد سيطرت عليها إسرائيل كما سيطرت على جبل الشيخ بالكامل والذي يعتبر موقعاً استراتيجياً حيث يطل على أربع دول هي سوريا ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، ناهيك عن شن قوات الاحتلال الإسرائيلي عدواناً جوياً واسعاً على سوريا مستهدفة تدمير القدرات العسكرية والعلمية السورية، بحجة الخوف من انتقال أسلحة استراتيجية لمنظمات متطرفة على حد تعبير المسؤولين الإسرائيليين، وهو ما يمثل حسب كل القوانين الدولية عدواناً، حيث تعرف الجمعية العامة للأمم المتحدة العدوان في قرارها رقم 3314 الصادر في 14 ديسمبر/ كانون الأول 1974 بأنه «قيام القوات المسلحة لدولة ما بمهاجمة القوات البرية والبحرية والجوية أو الأسطولين البحري والجوي لدولة أخرى».
ولكن السؤال هو لماذا سارع الجيش الإسرائيلي إلى احتلال جبل الشيخ، ولماذا أصر رئيس الوزراء الإسرائيلي على الإدلاء بتصريحات من على قمة هذا الجبل، وتأكيده أن «إسرائيل» ستبقى في موقع جبل الشيخ الاستراتيجي على الحدود السورية لحين التوصل لترتيب مختلف، على حد تعبيره؟
كعادتهم يمتلك قادة الاحتلال الإسرائيلي تبريرات معدة سلفاً لتنفيذ السياسات التوسعية في الأراضي العربية وأهــــم هذه التبريريات غـــير المقنعة هو أن تلك التوسعات تأتي لضمان أمن إسرائيل التي لم ترسم لنفسها حدوداً حتى يومنا هذا.
وعلى الرغم من زعـــم المسؤولين الإسرائيليين أن هذه الخطوة محــــدودة وإجراء مؤقت لكنهم لم يشيروا إلى موعد محدد محتمل للانسحاب، بل أمر وزير الدفاع يسرائيل كاتس الجيش بالاستعداد للمكوث في جبل الشيخ خلال فصل الشتاء، ما يشير إلى أن قوات الاحتلال تنوي البقاء طويلاً كما هو الحال بالنسبة للجولان المحتل منذ عام 1967 والذي قامت «إسرائيل» بضمه في العام 1981.
ولا أدل على نية قوات الاحتلال البقاء في الأراضي التي احتلتها مستغلة الأوضاع الطارئة في سوريا أكثر من البيان الذي نشره كاتس والذي قال فيه «سنبقى هنا طالما كان ذلك ضرورياً، إن وجودنا هنا في قمة جبل الشيخ يعزز الأمن ويعطي بعداً إضافياً للمراقبة والردع لمعاقل حزب الله في سهل البقاع اللبناني، فضلاً عن الردع ضد المعارضين في دمشق، الذين يدعون أنهم يمثلون وجهاً معتدلاً».
وبغض النظر عن التبريرات والحجج التي يسوقها الاحتلال الإسرائيلي إلا أن عاقلاً لا يمكن أن يرى في الممارسات الإسرائيلية هذه إلا استمراراً للسياسة الإسرائيلية التوسعية، والتي تلقى كل الدعم والتأييد بل والمشاركة الأمريكية، وهو ما يقودنا إلى تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يستعد لدخول البيت الأبيض للقناة 12 الإسرائيلية قبيل الانتخابات الأمريكية قال فيها إن «مساحة إسرائيل تبدو صغيرة على الخارطة، ولطالما فكّرت كيف يمكن توسيعها»، والسؤال هو أين ستتوسع «إسرائيل» إن لم تحتل المزيد من الأرض العربية، وهو ما تترجمه قوات الاحتلال الآن في الأراضي السورية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار ذلك المشهد الذي قدمه بنيامين نتنياهو فى سبتمبر/ أيلول الماضي، في الأمم المتحدة وهو يمسك بخريطته المعروفة التي تظهر ملامح الرغبة في التوسع الإسرائيلي تحت شعار الشرق الأوسط الجديد ندرك إلى أي مدى تشكل الممارسات الإسرائيلية الجديدة من مخاطر ليس على سوريا وشعبها وحسب وإنما على المنطقة العربية عامة، حيث تسعى الحكومة اليمينية المتطرفة إلى تحقيق الهدف الذي يستند إلى ما يعرف بالنبوءة التوراتية، حول «الدولة اليهودية الكبرى»، بزعم أن ذلك جزء من مخطط «إلهي» لإعطاء شرعية لأعمال إسرائيل التوسعية وتوظيف الدين كأداة لتبرير سياسات الاحتلال والعدوان التي أدمنتها إسرائيل.
كما لا بدّ من التذكير هنا بأن إسرائيل لم تنسحب يوماً من أرض احتلتها طواعية ومن دون مقاومة، وبالتالي فإن ما احتلته من الأراضي السورية حديثاً ستواصل احتلاله لمدة طويلة ما لم تواجه بمقاومة، وإنها في أحسن الحالات سوف تلجأ إلى ابتزاز سوريا واستعمال الاحتلال الجديد ورقة ضغط في أي مفاوضات محتملة في المستقبل بحيث يتم طي قضية مرتفعات الجولان السورية المحتلة في العام 1967 وفرض معادلات الواقع الجديد على الأرض، هذا إن لم تتمدد أكثر في احتلالها ليشمل المزيد من الأراضي السورية، تحت عنوان ضمان أمن إسرائيل الذي يشبه إلى حد ما مفهوم الأمن القومي الأمريكي الذي لا يعرف حدوداً جغرافية.

[email protected]

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"