مَن في الصدارة الأدبية؟

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

نقل الأديب التشيكي - الفرنسي ميلان كونديرا عن أستاذ جامعي فرنسي قوله، إن التاريخ الثقافي والأدبي في بلاده، فرنسا، يفتقد إلى شخصية مؤسس متميز يتكافأ مع دانتي بالنسبة للإيطاليين وشكسبير بالنسبة للإنجليز. قول أثار دهشة كونديرا، فكيف تغيب عن أذهان الفرنسيين هالة الشخص المؤسس لكاتبهم العظيم فرانسو رابليه، الذي هو في أعين كل روائي عظيم في عصرنا، مؤسس لفن الرواية إلى جانب سرفانتس؟
بدأ رابليه حياته راهباً، ثم درس الطب ومارسه في مدينة ليون، وخلالها كتب روايتين، هما «حياة غارغانتوا» و«بانتاغرويل»، اللتين ستعدان أهم رواياته، ورغم أنه، ولأمرٍ ما، نشرهما باسم مستعار، لكنهما حققتا نجاحاً كبيراً لما زخرتا به من سخرية وعمق، ليصبح واحداً من أهم أدباء العالم، فكيف لفرنسا ألا تضعه في المقام الذي يضع فيه الإسبان سرفانتس، والإيطاليون دانتي، والإنجليز شكسبير؟
ما حمل كونديرا على طرح هذا السؤال، قيام جريدة فرنسية، في نهاية القرن العشرين، باستطلاع رأي ثلاثين شخصية بارزة تنتمي إلى الصفوة المثقفة آنذاك من صحفيين ومؤرخين وعلماء اجتماع ونقّاد وناشرين وعدد قليل من الكتاب، حول أهم عشرة كتب وأكثرها مكانة وشهرة في تاريخ فرنسا، ومن مجموع الشهادات الثلاثين التي قدمها من استُطلعت آراؤهم، قامت الجريدة بجمع قائمة «أفضل مئة عمل أدبي» في فرنسا، فجاءت رواية فيكتور هيجو «البؤساء» في المرتبة الأولى، وهو ما بدا صادماً لكونديرا وربما لغيره من أدباء العالم، الذين لا يعتبرون هذه الرواية مهمة في تاريخ الأدب، ليفاجؤوا بأن ما كانوا يوقّرونه من أدب فرنسي، يختلف تماماً عما يراه الفرنسيون أنفسهم.
حلت مذكرات الجنرال شارل ديغول في المرتبة 11، رغم أنها، من وجهة نظر كونديرا أيضاً، لن تحصل على القيمة والأهمية الأدبية ذاتها من قبل أي رجل دولة أو حتى جندي خارج فرنسا، متقدمة على رابليه الذي جاء في المرتبة 14، فيما حلت «الغريب» لألبير كامو في المرتبة 22، أما الرواية الشهيرة «مدام بوفاري» فأتت في المرتبة 25، وجاءت «الملهاة الإنسانية» لبلزاك في المرتبة 35، وهي الرواية التي لا يمكن بدونها تصور وجود أدب أوروبي، وغاب عن القائمة نهائياً صمويل بيكيت.
هذا بعض ما أتى عليه كونديرا في مقاله الذي حواه كتاب ترجمهُ وأعدّه أمين صالح وصدر عن دار «روايات» بعنوان: «ميلان كونديرا والعالم بوصفه شرَكاً»، وهو ينبهنا إلى أن الانطباعات المكوّنة عن الأعمال الأدبية لا تخضع، بالضرورة، للمعايير النقدية المستقرة، حتى لو كانت هذه الانطباعات آتية من نخب ثقافية مهتمة، وهي ظاهرة لا تخصّ فرنسا وحدها، ولا أوروبا وحدها، بل تشمل الساحات الثقافية في مختلف بلدان العالم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/y244xz8j

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"