رضوى والنيل

00:07 صباحا
قراءة دقيقتين

من أهمّ الأدباء العرب الذين كتبوا عن تجربتهم مع المرض، الكاتب المسرحي السوري سعدالله ونوس، والروائية والناقدة رضوى عاشور.
في كتابه «الذاكرة والموت»، روى ونوس قصة اللحظات الدقيقة التي أنبأه فيها الطبيب الفرنسي في باريس أن حالته ميؤوس منها: «حالتك غير قابلة للشفاء»، حيث اعترض ونوس على العلاج الكيماوي، لأنه لن يفعل سوى تنغيص أيامه الأخيرة ومضاعفة أوجاع وآثار السرطان.
كتاب «الصرخة» آخر ما كتبته الأديبة الراحلة رضوى عاشور قبل رحيلها عن الدنيا في الأول من ديسمبر/كانون الأول عام 2014 هو الكتاب الوحيد الذي لم تسمح لعائلتها بالاطلاع عليه فترة كتابتها له كما كانت تفعل في كتبها السابقة، بما فيها الجزء الأول من هذا الكتاب الذي صدر بعنوان «أثقل من رضوى» وحكت فيه تجربتها مع مرض السرطان، وفصول تلقيها العلاج منه، سواء في بلدها مصر أو في بلدان أخرى كالولايات المتحدة والدنمارك، تخللتها فترة شفاء، ليعاودها السرطان ثانية مسبباً رحيلها قبل الأوان.
وفي الجزأين: «أثقل من رضوى» و«الصرخة» لم يقتصر حديث رضوى على يوميات مرضها وعلاجها، وإنما تناولت ما كانت تشهده مصر يومها من أحداث وتحولات حرصت على تدوين بعضها والوقوف عند دلالتها.
فترة تلقيها العلاج الإشعاعي في الأسابيع الأخيرة التي سبقت وفاتها عرضت عليها عائلتها السفر إلى مدينة تكساس الأمريكية، لأن طبيباً هناك قال إن لديه حلولاً لمرضها، لكنها رفضت العرض. آثرت أن تبقى في مصر. وعن ذلك كتبت في «الصرخة»: «لا أتوب عن حبّ مصر. وجودي فيها لتلقي العلاج على بعد أمتار معدودة من بيتي يمنحني راحة ويبدد الهواجس والخوف».
مخطوطة «الصرخة» التي أخفتها رضوى عن الأعين، ونشرت بعد وفاتها كما هي، حيث تضمنت صفحات بيضاء، اكتفت في بعضها بوضع عنوان ما كانت تنوي الكتابة عنه، أو سطراً أو سطرين يحملان فكرة كانت ترغب في تناولها، ولكن القدر لم يسعفها، حيث توقفت نهائياً عن الكتابة في سبتمبر/أيلول 2014، لترحل بعد ذلك بنحو شهرين أو أكثر قليلاً.
وهي تشرح تفضيلها تلقي العلاج في مصر ورفض فكرة السفر إلى تكساس، قالت إنها حين تغادر، بعد كل جلسة علاج، وهي نصف مخدرة، بوابة معهد ناصر الذي كانت تتلقى العلاج في المركز الإشعاعي فيه، تلحظ لما للنيل المجاور من «حضور وهيبة». وبشيء من التفصيل كتبت تقول: «أرى أول ما أرى مجرى النهر ممتداً أمامي، وحين تنحرف السيارة يساراً وهي تواصل طريقها، يصبح النيل عن يميني. أتطلع إليه في صمت وأنا منكمشة في المقعد الخلفي. يلفني ارتياح عميم، وأقول: ما الذي يحملنا إلى تكساس؟ بعد عشر دقائق سأكون في البيت».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/84vbzwz3

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"