أقرأ الشعر الروسي بدرجة حرارة أقل من قراءة الشعر الفرنسي الذي يشبه، أحياناً، روح الشعر العربي في بعض المشتركات مثل العاطفة، والحزن، والحنين، وهي عناصر نفسية موجودة في أي شعر في العالم، لكن دفقها الفطري، إن جازت العبارة، أكثر قوة في الشعر الفرنسي والعربي، ولعلك تجد هذه المقاربة ماثلة حقاً بين الأدبين الشعريين حين تعود على سبيل المثال إلى قراءة كتاب قديم يضمّ مختارات موسّعة من الشعر الفرنسي نقله إلى العربية بول شاؤول في الثمانينات.
مرة ثانية إلى الشعر الروسي، وهذا شاعر، كما تقول حياته حادّ الطبع وعر الأخلاق.. إنه «غافريل ديرجافين 1743- 1816»- ترجمة: د. حياة شرارة.. يقول: «أيها القياصرة ظننتكم آلهة جَبّارة../.. ولا قاضي فوقكم../.. لكنكم نهب للعواطف مثلي../.. وزائلون مثلي../.. ولسوف تسقطون كما تتساقط الأوراق الذابلة من الشجر».
تقول سيرة حياة بوشكين، إن المبارزة التي جرت بينه وبين أحد الضبّاط وقد تحرّش بزوجة الشاعر كانت من تدبير القيصر للتخلّص من بوشكين، وهذا ما حدث، وما حدث أيضاً أن ميخائيل ليرمنتوف أشهر شعراء روسيا في زمنه (1814- 1841) كتب قصيدة رثاء في بوشكين.. وهذا مقطع منها: «استشهد شاعر../.. أسير الشرف../.. سقط بين الشائعات الباطلة../.. في صدره طلقة وظمأ للانتقام../.. تدلّى رأسه الشامخ..» إلى أن يقول.. «.. حينئذٍ لن يجديكم نفعاً اللوذ بالوشايات.. ولن يهبّ لنجدتكم مرة أخرى../.. حينئذٍ لن تغسلوا بدمائكم السود كلها دماء الشاعر النقية..».
كتب ليرمنتوف قصيدة بعنوان (غصن فلسطين)، وربما لا يعرف الكثيرون شيئاً عن هذه القصيدة التي وردت في (ديوان الشعر الروسي) ترجمة: د. حياة شرارة.. عام 1983.
يقول: «.. حدّثني يا غصن فلسطين في أي مكان نَمَوتَ وأزهرت../.. وأية رَبَوات ووهاد ازدانت بك../.. هل لاطفتك أشعة الشرق../.. عند مياه الأردن الصافية../.. أم هزّتك الرياح الغضوب ليلاً في جبال لبنان../..». ويقول: «أما زالت شجرة النخيل تلك موجودة؟.. أما زالت هامتها ذات الأوراق العريضة تجتذب حرارة الصيف عابري الصحراء..».
كتب ليرمنتوف قصيدة فلسطين الحارّة هذه عام 1838، ومما يبعث على الدهشة المرّة هنا، أن ليرمنتوف قُتِل في مبارزة أيضاً وكانت مكيدة دبّرها له أعداؤه للتخلّص منه.
الشعر الروسي بارد مثل بلاده، لكن الدم لا يبرد في عروق بعض الشعراء من طينة ليرمنتوف، يقول: «.. وداعاً يا روسيا غير المستحمّة../.. يا بلاد العبيد والسادة../.. وداعاً يا معاطف الجندرمة../.. وأنت أيها الشعب.. أيمكنني الاختفاء من باشواتك خلف جبال القفقاس المترامية؟؟».
https://tinyurl.com/2hja3jjm
مقالات أخرى للكاتب




قد يعجبك ايضا







